أي : وكلَّ نار، فلا يكُونُ من العطفِ على الضمير المجرور.
قال ابن عطيَّة :" وهذا الوجهُ من حذفِ المضاف مكروه بأنه ضرورةٌ ".
قال أبو حيان :" وليس بمكروهٍ، ولا ضرورة بل أجازه سيبويه، وخرَّج عليه البيت وغيره من الكلام ".
قال شهابُ الدين :" قوله :" بل هذه إضافةٌ صحيحة، ليست من نصب " فيه نظر ؛ لنَّ النَّحويين على أنَّ إضافة " حَسْب " وأخواتها إضافةٌ غيرُ محضة، وعلَّلُوا ذلك بأنها في قوة اسم فاعل ناصبٍ لمفعولٍ به، فإنَّ " حَسْبكَ " بمعنى : كافيك، و " غيرك " بمعنى مُغايرك، و " قيد الأوابد " بمعنى : مُقيدها.
قالوا : ويدلُّ على ذلك أنَّها تُوصفُ بها النَّكرات، فيقال : مررت برجلٍ حسبك من رجلٍ ".
وجوَّز أبو البقاء : الرفع من ثلاثة أوجهٍ : أنَّهُ نسقٌ على الجلالةِ كما تقدَّم، إلاَّ أنَّهُ قال : فيكون خبراً آخر، كقولك : القائمان زيد وعمرو، ولم يُثَنِّ " حَسْبك " ؛ لأنه مصدرٌ.
وقال قومٌ : هذا ضعيفٌ ؛ لأن الواو للجمع، ولا يَحْسُن ههنا، كما لا يَحْسُن في قولهم :" مَا شَاء اللَّهُ وشِئْتَ "، " ثم " هاهنا أولى.
يعني أنَّهُ من طريق الأدل لا يُؤتَى بالواو التي تقتضي الجمع، بل يأتي بـ " ثم " التي تقتضي التراخي والاحديثُ دالٌّ على ذلك.
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : وحسب من اتبعك.
الثالث : هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره : ومن اتبعك كذلك، أي : حسبهم الله.
وقرأ الشعبيُّ " ومَنْ " بسكون النون " أْتْبَعك " بزنة " أكْرَمَكَ ".
قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن أنه تعالى كافيه بنصره، وبالمؤمنين، بيَّن ههنا أنه ليس من الواجب أن يتكل على ذلك إلا بشرط أن يحرض المؤمنين على القتال ؛ فإنه تعالى كفيل بالكفاية بشرط أن
٥٦٢
يحصل منهم التعاون على القتال، والتحريض كالتحضيض والحث.
يقال : حَرَّضَ وَحَرَّشَ وحرَّكَ وحثَّ بمعنىً واحد.
وقال الهرويُّ " يقال : حَارَضَ على الأمر، وأكَبَّ، وواكبَ، وواظبَ، وواصبَ بمعنىً ".
قيل : وأصله من الحَرَض، وهو الهلاك، قال تعالى :﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ [يوسف : ٨٥].
٢٧٣٧ - إنِّي امْرؤٌ نَابَنِي همٌّ فأحْرَضَنِي
حتَّى بَليتُ وحتَّى شَفَّنِي سَقَمُ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٦٠
قال الزجاج :" تأويل التحريض في اللُّغةِ أن يُحَثَّ الإنسان على شيءٍ حتى يُعلمَ منه أنَّه حارضٌ والحارض : المقاربُ للهلاك " واستبعد النَّاسُ هذا منه، وقد نَحَا الزمخشريُّ نحوه، فقال :" التَّحريضُ : المبالغةُ في الحثِّ على الأمر، من الحرَض، وهو أن ينهكه المرض، ويتبالغ فيه حتى يُشْفِيَ على الموت أو تُسَمِّيه حَرضاً، وتقولُ له : ما أراك إلاَّ حَرضاً ".
وقرأ الأعمش " حَرِّصْ " بالصاد المهملة، وهو من " الحِرْصِ "، ومعناه مقارب لقراءة العامة.
قوله :﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ الآيات.
أثبت في الشرط الأول قيداً، وهو الصبرُ، وحذف من الثاني : وأثبت في الثاني قيداً، وهو كونهم من الكفر، وحذف من الأوَّلِ، والتقديرُ : مائتين من الذين كفروا، ومائة صابرة فحذف من كلٍّ منهما ما أثبت في الآخر، وهو في غاية الفصاحة.
وقرأ الكوفيون :﴿وإن يكُنْ منْكُم مائةٌ يَغلِبُوا﴾، ﴿فإنْ يكنْ منكُم مائةٌ صابرةٌ﴾ بتذكير " يكن " فيهما، ونافع وابن كثير وابن عامر بتأنيثه فيهما، وأبو عمرو في الأولى كالكوفيين وفي الثانية كالباقين.
٥٦٣


الصفحة التالية
Icon