الخامس : أنه من : ألَّ البرقُ، أي : لَمَعَ.
قال الأزهريُّ :" الأليل : البريق، يقال : ألَّ يؤلُّ، أي : صَفَا ولَمَعَ "، ومنه الألَّة، للمعانها.
وقيل : الإلّ من التحديد، ومنه " الألَّةٌ " الحَرْبة، وذلك لحدَّتها، وقد جعل بعضهم بين هذه المعاني قدراً مشتركاً، يرجعُ إليه جميعُ ما تقدَّم، فقال الزَّجَّاجُ :" حقيقةُ الإلِّ عندي على ما تُوحيه اللغة : التحديد للشيء، فمن ذلك الألَّةُ : الحَرْبَةُ، وأذنٌ مُؤلَّلَة، فالإلُّ يخرج في جميع ما فُسِّر من العهد، والقرابةِ، والجُؤارعلى هذا، فإذا قلت في
٢٦
العهد : بينهما إلٌّ، فتأويلُه أنَّهُمَا قد حَدَّدَا في أخْذ العهود، وكذلك في الجُؤار والقرابة ".
وقال الرَّاغبُ :" الإِلُّ " كلُّ حالةٍ ظاهرة من عَهْدٍ، وحِلْفٍ، وقرابة تَئِلُّ، أي : تَلْمَعُ، وألَّ الفرسُ : أسرع.
والألَّةُ : الحرْبَةُ اللاَّمعة " وأنشد غيرُهُ على ذلك قول حماس بن قيسٍ يوم فتح " مكَّة " :[الرجز]
٢٧٦٠ - إنْ تَقْتلُوا اليوْمَ فَمَا لِي عِلَّه
سِوَى سِلاحٍ كاملٍ وألَّه
وذِي غِرَارَيْنِ سَريعِ السَّلَّه
قال : وقيل : الإلُّ والإيلُ : اسماه لله - تعالى -، وليس ذلك بصحيحٍ.
قال الأزهريُّ " " إيل " من أسماء الله بالعبرانية ؛ فجاز أن يكون عُرِّب، فقيل :" إلّ " والأللان : صفحتا السكّين ".
انتهى، ويجمع الإلُّ في القلَّة على آلِّ، والأصل :" أألُل " بزنة " أفْلُس "، فأبدلت الهمزةُ الثانية ألفاً، لسكونها بعد أخرى مفتوحة، وأدغمت اللاَّمُ في اللام، وفي الكثرة على " إلالٍ " كـ " ذِئْب وذِئَاب ".
و " الألُّ " بالفتح : قيل : شدَّة القنوط.
قال الهرويُّ في الحديث :" عجب ربكم من ألِّكُم وقُنوطكم ".
قال أبو عبيدة : المحدِّثون يقولونه بكسر الهمزة، والمحفوظ عندنا فَتَحُها، وهو أشبَهُ بالمصادرِ، كأنَّه أرادَ : من شدَّة قنوطكم، ويجوزُ أن يكون من رفع الصَّوت، يقال : ألَّ يَؤُلُّ ألاَّ، وأللاً، وألِيلاً، إذا رفع صوته بالبكاء، ومنه يقال له : الويل والألِيل ؛ ومنه قول الكميت :[البسيط] ٢٧٦١ - وأنتَ مَا أنتَ فِي غَبْراءَ مُظْلِمَةٍ
إذَا دَعَتْ أَلَلَيْهَا الكَاعِبُ الفُضُلُ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤
انتهى.
وقرأ فرقة " ألاَّ " بالفتح، وهو على ما ذكر من كونه مصدراً، من " ألَّ يَؤلُّ إذا عاهد.
وقرأ عكرمة :" إيلاً " بكسر الهمزة، بعدها ياءٌ ساكنة، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّه اسمُ الله تعالى، ويُؤيِّده ما تقدم في :﴿لِّجِبْرِيلَ﴾ [البقرة : ٩٧]، و ﴿إِسْرَائِيلَ﴾ [البقرة : ٤٠] أنَّ المعنى : عبدُ اللهِ.
الثاني : يجوزُ أن يكون مشتقاً مِن : آل يَؤُولُ : إذا صَارَ إلى آخر الأمر، أو من : آل
٢٧
يؤولُ : إذا سَاسَ، قاله ابنُ جني، أي : لا يرقبون فيكم سياسةً ولا مُداراة، وعلى التقديرين سكنت الواو بعد كسرة فقُلبتء ياءً، كـ :" ريح ".
الثالث : أنه هو " الإِلُّ " المضعف، وإنَّما اسْتُثقل التَّضعيفُ، فأبدل إحداهما حرف علةٍ، كقولهم : أمْلَيْتُ الكتاب، وأمْلَلْتُه.
وقال الشاعر :[البسيط] ٢٧٦٢ - يَا لَيْتَمَا أمَّنَا شالتْ نَعامتُهَا
أيْمَا إلى جنَّةٍ أيْمَا إلى نَارِ
قوله :" وَلاَ ذِمَّةً " الذِّمَّة قيل : العَهْد، فيكون ممَّا كُرِّرَ لاختلافِ لفظه، إذا قلنا : إنَّ الإلَّ العهدُ أيضاً، فهو كقوله تعالى :﴿صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة : ١٥٧]، وقوله :[الوافر] ٢٧٦٣ -..........................
وألْقَى قولَها كَذِباً ومَيْنَا
وقوله :[الطويل] ٢٧٦٤ -.........................
وهندٌ أتَى من دُونهَا النَّأيُ والبُعْدُ
وقيل : الذِّمَّة : الضَّمان، يقال : هو في ذمَّتي، أي : في ضماني، وبه سُمِّي أهل الذِّمَّة، لدخولهم في ضمانِ المسلمين.
ويقال : له عليَّ ذمَّةٌ، وذِمام ومذمَّة، وهي الذمُّ قال ذلك ابن عرفة، وأنشد لأسامة بن الحارث :[الطويل] ٢٧٦٥ - يُصَيِّحُ بالأسْحَارِ في كلِّ صارةٍ
كمَا نَاشَدَ الذَّمَّ الكَفيلَ المُعَاهِدُ
وقال الرَّاغِبُ " الذِّمامُ : ما يُذَمُّ الرجلُ على إضاعته من عهدٍ، وكذلك الذِّمَّة، والمَذمَّة والمِذمة، يعني بالفتح والكسر.
وقيل : لي مَذَمَّةٌ فلا تهتكها " وقال غيره :" سُمِّيَتْ ذِمَّة، لأنَّ كُلَّ حُرْمة يلزمك من تضييعها الذَّمُّ، يقال لها : ذِمَّة، وتجمع على " ذِمِّ "، كقوله :[الطويل] ٢٧٦٦ -..........................
كَمَا نَاشَدَ الذَّمِّ....................
وعلى ذممٍ، وذِمَامٍ ".
وقال أبو زيد :" مَذِمَّة، بالكسْرِ من الذِّمام، وبالفتح من الذَّمِّ ".
٢٨