وقرأ زيد بن علي كذلك، إلاَّ أنَّه رفع الفعل مستأنفاً، ولم ينسقْه على المجزم قبله، كما قَرَءُوا " ويتوبُ " بالرفع عند الجمهور.
قوله :﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَآءُ﴾ قرأ الجمهور بالرَّفع، وقرأ زيدُ بنُ علي، والأعرج، وابن أبي إسحاق، وعمرو بن عبيد، وعمرو بن فائد، وعيسى الثقفي، وأبو عمرو في رواية ويعقوب " ويتُوبَ " بالنَّصب، فأمَّا قراءةُ الجمهور فإنَّهَا استئنافُ إخبارٍ، وكذلك وقع، فإنه قد أسلم ناسٌ كثيرون، كأبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم.
قال الزجاج : وأبُو الفتح : وهذا أمرٌ موجودٌ، سواءٌ قوتلوا، أمْ لمْ يقاتلوا، ولا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في :" قَاتِلُوهم ".
يعنيان بالشَّرط : ما فُهِمَ من الجملة الأمرية.
قالوا : ونظيره :﴿فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى : ٢٤] وتمَّ الكلامُ ههنا، ثم استأنف فقال :﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى : ٢٤] وأمَّا قراءةُ زيد ومنْ ذُكر معه فإنَّ التوبةَ تكونُ داخلة في جواب الأمر من طريقِ المعنى، وفي توجيه ذلك غموضٌ، فقال بعضهم : إنَّه لمَّا أمرهُمْ بالمقاتلة شقَّ ذلك على بعضهم، فإذا أقدموا على المقاتلةِ صار ذلك العملُ جارياً مجرى التوبة من تلك الكراهة، قاله الأصمُّ.
فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يُعذِّبهمُ الله، ويتُبء عليكم من تلك الكراهة لقتالهم، وقال آخرون - في توجيه ذلك - : إنَّ حصول الظَّفَر وكثرة الأموال لذَّةٌ تطلبُ بطريقٍ حرام، فلمَّا حصلتْ لهُم بطريقٍ حلالٍ، كان ذلك داعياً لهم إلى التَّوبة ممَّا تقدم، فصارت التوبةُ معلقةً على المقاتلة.
وقال ابنُ عطية - في توجيه ذلك - :" يتوجه عندي إذا ذهب إلى أنَّ التوبة يراد بها هنا قتل الكافرين والجاهد في سبيل الله، هو توبةٌ لكم أيها المؤمنون، وكمالٌ لإيمانكم، فتدخلُ التسوية على هذا في شرطِ القتال ".
قال أبُو حيان " وهذا الذي قرروه من كون التَّوبة تدخلُ تحت جواب الأمر بالنسبة للمؤمنين الذين أمِرُوا بقتال الكُفَّارِ، والذي يظهر أنَّ ذلك بالنسبة إلى الكُفَّار، والمعنى : على من يشاء من الكفار، لأنَّ قتال الكفارِ، وغلبة المسلمين إياهم قد يكونُ سبباً لإسلام كثير، ألا ترى إلى فتح مكَّة، كيف أسلم لأجله ناسٌ كثيرون، وحسنُ إسلامُ بعضهم جدّاً، كـ : ابن أبي سرح، ومن تقدم ذكره، وغيرهم " فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يتب الله على من يشاء من الكُفَّار، أي : يُسْلمُ من يشاء منهم، والمرادُ بالتَّوبة هنا : الهداية إلى الإسلام كما ذكره جمهور المفسرين، ثمَّ قال ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ عليم بكل ما يفعل في
٤٠
ملكه " حَكِيمٌ " مصيب في أحكامه وأفعاله.
قوله تعالى :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ﴾ الآية.
قال الفراء :" أمْ " من الاستفهام الذي يتوسط الكلام، ولو أريد به الابتداء لكان بـ " الألفط أو بـ " هل ".
فصل هذا ترغيبٌ في الجهاد قيل : هذا خطابٌ للمنافقين، وقيل : للمؤمنين الذي شق عليهم القتال، فقال : أحسبتم أن تتركوا فلا تأمروا بالجهاد، ولا تمتحنوا، ليظهر الصادق من الكاذب، " ولمَّا يعلم اللهُ " أي يرى اللهُ الذين جاهدوا منكم، وذكر العلم والمراد منه : المعلوم، فالمراد أن يصدر الجهاد عنهم، إلاَّ أنه لما كان وجود الشيء يلزمه أن يكون معلوم الوجود عند الله، لا جرم جعل علم الله بوجوده كناية عن وجوده.
قوله ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُواْ﴾ يجوزُ في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنَّها داخلةٌ في حيِّز الصلة، لعطفها عليها، أي : الذين جَاهَدُوا ولم يتَّخذُوا.
الثاني : أنَّها في محلِّ نصب على الحالِ من فاعل :" جَاهدُوا " أي : جَاهَدُوا حال كونهم غير متخذين وليجَةً.
و :" وَليجَةً " مفعول، و " مِن دُونِ اللهِ " إمَّا مفعول ثان، إن كان الاتخاذُ بمعنى التَّصْيير، وإمَّا متعلقٌ بالاتخاذ، إن كان على بابه، والوليجة : فَعِيلة، مِن الوُلُوج، وهُو الدُّخُولُ، و " الوَليجَةُ " من يداخلك في باطن أمورك، وقال أبو عبيدة :" كُلُّ شيءٍ أدخلته في شيءٍ وليس منهُ، والرجل في القوم وليس منهم، يقال له وليجة " ويستعملُ بلفظٍ واحدٍ، للمفردِ، والمثنى، والمجموع، وقد يجمعُ على " ولاَئِج " و وُلُج، كـ : صحيفة، وصحائف، وصحف وأنشدوا لعبادة بن صفوان الغنوي :[الطويل] ٢٧٧٠ - ولائجُهُمْ في كُلِّ مَبْدَى ومَحْضَرٍ
إلى كُلِّ مَنْ يُرْجَى ومَنْ يَتخوَّفُ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١
فصل معنى الآية :﴿وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ بطانة، وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم.
وقال قتادةُ :" وَليجةً " خيانة.
وقال الضَّحَّاك.
" خديعة ".
والمقصودُ من ذكر
٤١