﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ الآية.
قرأ عاصم والكسائيُّ بتنوين " عُزَيْرٌ "، والباقون من غير تنوين، فأمَّا القراءةُ الأولى فيحتمل أن يكون اسماً عربياً مبتدأ، و " ابنُ " خبره، فتنوينه على الأصل، ويحتمل أن يكون أعجمياً، ولكنهُ خفيفُ اللَّفظِ، كـ " نُوحِ "، و " لُوطٍ "، فصُرفَ لخفَّة لفظه، وهذا قول أبي عبيد، يعني : أنَّهُ تصغيرُ " عَزَر "، فحكَمه حكم مُكَبَّره، وقال : هذا ليس منسوباً إلى أبيه، إنَّما هو كقولك : زيد ابن الأمير، وزيد ابن أخينا، و " عُزَيْرٌ " مبتدأ وما بعده خبره، ورُدَّ هذا بأنَّه ليس بتصغير، إنَّما هو أعْجَمي، جاء على هيئة التَّصغيرِ في لسان العرب، كـ " سُلَيْمَان "، جاء على مثال " عُثَيْمَان، وعُمْيَران ".
وأمَّا القراءةُ الثانية ؛ فيحتمل حذفُ التنوين ثلاثة أوجه :
٦٨
أحدها : أنَّه حذف التنوين لالتقاء الساكنين على حدِّ قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص : ١ - ٢].
قال الفرَّاء : نون التنوين في " عُزَيْرٌ " ساكنة، والباء في قوله " ابْنُ اللهِ " ساكنة، فالتقى ساكنان، فحذف نون التنوين للتخفيف ؛ وأنشد :[المتقارب] ٢٧٧٦ - وألْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ
ولا ذَاكِرٍ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً
وهو اسمٌ منصرفٌ مرفوعٌ بالابتداء، و " ابن " خبره.
الثاني : أنَّ تنوينه حذف، لوقوع الابن صفة له، فإنَّه مرفوعٌ بالابتداء، و " ابن " صفته، والخبرُ محذوفٌ، أي : عُزَيرٌ ابْنُ الله نَبيُّنا، أو إمامُنَا، أو رسولُنَا، وقد تقدَّم أنَّه متى وقع " الابن " صفة بين علمين، غير مفصولٍ بينه وبين موصوفه، حذفت ألفه خطّاً، وتنوينه لفظاً، ولا تثبت إلاَّ ضرورة، وتقدم الاشتشهادُ عليه آخر المائدة.
ويجوز أن يكون " عُزَيْرٌ " خبر مبتدأ مضمر، أي : نَبيُّنا عُزير، و " ابن " صفةٌ له، أو بدل، أو عطف بيان.
الثالث : أنه إنَّما حذف، لكونه ممنوعاً من الصَّرف، للتعريف والعجمة.
ولم يرسم في المصحف إلاَّ بإثبات الألف، وهي تنصرُ من يجعله خبراً.
وقال الزمخشري :" عزير ابن " مبتدأ وخبره، كقوله :﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ و " عُزَيْرٌ " اسم أعجمي، : ـ " عَزرَائيل، وعيزار " ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه، ومن صرفه جعله عربياً.
وقول من قال بسقوط التنوين ؛ لالتقاء الساكنين، كقراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص : ١، ٢] ولأنَّ " الابن " وقع وصفاً، والخبر محذوف، وهو " معبودنا " فتمحُّلٌ عن مندوحة ".
فصل لمَّا حكم تعالى في الآيةِ المتقدِّمة على اليهودِ والنَّصارى بأنهم لا يُؤمنونَ بالله، شرح ذلك في هذه الآية، بأن نقل عنهم أنهم أثبتُوا للهِ ابناً ومنْ جوَّز ذلك في حق الإله، فقد أنكر الإله في الحقيقة، وأيضاً بيَّن تعالى أنهم بمنزلة المشركين في الشرك وإن كانت طرق القول بالشرك مختلفة، إذ لا فرق بين من يعبد الصَّنم وبين من يعبد المسيح وغيره، لأنه لا معنى للشرك إلاَّ أن يتَّخذ الإنسانُ مع الله معبوداً، وهذا معنى الشِّرك، بل لو تأمَّلنَا لعلمنا أن كفر عابد الوثن أخَفّ من كفر النصارى ؛ لأنَّ عابد الوثن لا يقولُ : إنَّ هذا الوثن خالق للعالم، بل يجريه مجرى الشيء الذي يتوسَّلُ به إلى طاعة الله، والنَّصارى يثبتون الحلول والاتحاد وذلك كفر قبيح ؛ فثبت أنَّه لا فرق بين هؤلاء الحلولية وبين سائر المشركين.
فإن قيل : اليهودُ قسمان : منهم مشبهة، ومنهم موحدة، كما أنَّ المسلمين كذلك، فهَبْ أنَّ المشبهة منهم منكرون لوجود الإله، فما قولكم في موحدة اليهود ؟.
٦٩


الصفحة التالية
Icon