على الحَوْضِ ".
قال الحسينُ بن الفضل " من قال إنَّ أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله فهو كافر ؛ لإنكاره نص القرآن، وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعاً لا كافراً ".
فإن قيل : إنَّ الله تعالى وصف الكافر بكونه صاحباً للمؤمن في قوله :﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ﴾ [الكهف : ٣٧].
فالجوابُ : أنَّ هناك وإن وصفه بكونه صاحباً إلاَّ أنَّه أردفهُ بما يدلُّ على الإهانة والإذلال وهو قوله :" أكفرتَ " ؟ أمَّا ههنا فبعد أن وصفه بكون صاحباً ذكر بعده ما يدل على الإجلال والتعظيم وهو قوله ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ فأيّ مناسبة بين البابين ؟.
روي أنَّ قريشاً لمَّا بيَّتُوا على قتل رسول الله ﷺ، وخرج رسولُ الله ﷺ وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر عليّاً أن يضطجع على فراشه، ليمنعهم السواد من طلبه، جعل أبُو بكر يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، فقال له رسولُ الله ﷺ :" ما لك يا أبا بكر ؟ فقال : أذكر الطلب ؛ فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك ؛ فلما انتهينا إلى الغار دخل أبو بكر أولاً، يلتمس ما في الغار، فقال له رسُول الله ﷺ، ما لك ؟ فقال بأبي أنت وأمِّي، الغيرَانُ مأوى السِّباع والهوام، فإن كان فيه شيء كان بِي لا بِكَ وكان في الغارِ حجر، فوضع عقبه عليه، لئلا يخرج ما يؤذي الرسول، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا، بكى أبو بكر خوفاً على رسول الله ﷺ، فقال عليه الصلاة والسلام " لا تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا " فقال أبو بكر : إن الله لمعنا، فقال الرسول " نعم " فجعل يمسح الدموع عن خدِّه، ولم يكن حزن أبي بكر جبناً منه، وإنَّما إشفاقاً على رسول الله ﷺ، وقال : إن أقتل فأناً رجلٌ واحدٌ، وإن قتلت هلكت الأمة.
" وروي أنَّ الله تعالى بعث حمامتين فباضتا في أسفل باب الغارِ، والعنكبوت نسجت عليه وقال رسول الله ﷺ " اللَّهُمَّ أعْمِ أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحداً.
فصل دلَّت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه : أحدها : أنَّه عليه الصلاة والسلام لمَّا ذهب إلى الغار كان خائفاً من الكفار أن يقتلوه، فلولا أنه عليه الصلاة والسلام كان قاطعاً بأنَّ أبا بكر من المؤمنين المحقين الصادقين الصِّيقين، وإلا لما أصحبه نفسه في ذلك ؛ لأنه لو جوز أن يكون باطنُه بخلاف
٩٥