جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٣
وقال آخر :[منهوك الرجز] ٢٧٨٨ - يَا لَيْتنِي فيهَا جَذَعْ
أخُبُّ فيها وأضَعْ
ومفعول :" أوْضَعُوا " محذوف، أي : أوضعوا ركائبهم ؛ لأنَّ الراكبَ أسرعُ من الماشي.
١٠٧
قال الواحديُّ " قال أكثر أهل اللُّغةِ : إن الإيضاع حمل البعير على العدو، ولا يجوزُ أن يقال : أوضع الرَّجلُ إذا سار بنفسه سَيْراً حثيثاً.
يقال : وضع البعيرُ : إذا عدا، وأوضعه الراكب : إذا حمله عليه ".
وقال الفرَّاءُ :" العرب تقول : وضعتْ النَّاقةُ، وأوضع الراكبُ، وربَّما قالوا للرَّاكب : وضَعَ ".
وقال الأخفشُ وأبو عبيد : يجوزُ أن يقال : أوضع الرَّجُلُ : إذا سار بنفسه سيراً حثيثاً من غير أن يراد وضع ناقته.
روى أبو عبيد أنَّ النبي ﷺ " أفاض من عرفة وعليه السَّكينة وأوضعَ في وادي مُحَسِّر ".
قال الواحديُّ " والآية تشهد لقول الأخفشِ وأبي عبيد " والمراد من الآية : السَّعي بينهم بالعداوة والنميمة.
و " الخِلال " جمع " خَلَل "، وهو الفُرْجَةُ بين الشيئين.
ومنه قوله :﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ [النور : ٤٣]، وقرىء " مِنْ خلله " وهي مخارج صب القطر.
ويستعار في المعاني فيقال : في هذا الأمْر خلل.
وقرأ مجاهدٌ، ومحمد بن زيدٍ " ولأوْفَضُوا "، وهو الإسراع أيضاً ؛ من قوله تعالى :﴿إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج : ٤٣].
وقرأ ابنُ الزبير " ولأرْفَضُوا " بالفراء والفاء والضاد المعجمة، من : رفض، أي : أسرع أيضاً ؛ قال حسَّان :[الكامل] ٢٧٨٩ - بِزُجَاجةٍ رفَضَتْ بِمَا فِي جَوْفِهَا
رَفَضَ القَلُوصِ بِراكبٍ مُسْتعْجِلِ
وقال :[الكامل] ٢٧٩٠ -..............................
والرَّافِضَاتِ إلى مِنى فالغَبْغَبِ
يقال : رَفَضَ في مشيه رفْضاً، ورَفَضاناً.
١٠٨
فإن قيل : كتب في المصحفِ " ولاَ أوْضَعُوا " بزيادة ألف.
أجاب الزمخشريُّ " أنَّ الفتحة كانت تُكْتَب ألفاً قبل الخطِّ العربي، والخطُّ العربي اخترع قريباً من نزول القرآن، وقد بقى من ذلك الألف أثرٌ في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً، وفتحتها ألفاً أخرى، ونحوه ﴿أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل : ٢١].
يعني : في زيادة الألف بعد " لا " وهذا لا يجوزُ القراءةُ به ومن قرأ به متعمداً بكفّر ".
قوله :" يَبْغُونَكُمُ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ، من فاعل " أوْضَعُوا " أي : لأَسْرعُوا فيما بينكم، حال كونهم باغين، أي : طالبين الفتنة لكم، ومعنى الفتنة : افتراقُ الكلمة.
قوله :﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ هذه الجملةُ يجوز أن تكون حالاً من مفعول " يَبْغُونكُمْ " أو من فاعله، وجاز ذلك ؛ لأنَّ في الجملة ضميريهما.
ويجوزُ أن تكون مستأنفةً، والمعنى : أنَّ فيكم من يسمع لهم، ويُصْغِي لقولهم.
فإن قيل : كيف يجوزُ ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم ؟ فالجوابُ : لا يمتنع لمنْ قرب عهده بالإسلام أن يؤثر قول المنافقين فيهم، أو يكون بعضهم مجبولاً على الجبن والفشل ؛ فيؤثر قولهم فيهم، أو يكون بعض المسلمين من أقارب رؤساءِ المنافقين فينظرون إليهم بعض الإجلال والتَّعظيم ؛ فلهذا الأسباب يؤثر قول المنافقين فيهم ويجوز أن يكون المراد : وفيكم جواسيس منهم، يسمعون لهم الأخبار منكم، فاللاَّمُ على الأوَّلِ للتقوية لكون العامل فرعاً، وفي الثاني للتعليل، أي : لأجلهم.
ثم قال تعالى :﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم ونفاقهم، وظلموا غيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيرهم في وجوه الآفات.
فصل ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ﴾.
أي : طلبُوا صد أصحابك عن الدِّين وردهم إلى الكُفْرِ، وتخذيل النَّاس عنكَ قبل هذا اليوم، كفِعْلِ عبد الله بن أبيّ يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه.
وقال ابنُ جريج : هو أنَّ اثني عشر رجلاً من المنافقين، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة، ليفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله :﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ﴾.
قرأ مسلمة بن محارب " وقلبُوا " مخففاً.
والمرادُ بتقليب الأمر : تصريفه وترديده، لأجل التدبر والتأمل فيه، أي : اجتهدوا في الحيلةِ والكيدِ لك يقال للرجل المتصرف في وجوه الحيل : فلان حُوَّلٌ قلبٌ، أي : يتقلب في وجوه الحيل.
ثم قال تعالى :﴿حَتَّى جَآءَ الْحَقُّ﴾ أي : النصرُ والظفرُ.
١٠٩
وقيل : القرآن.
﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ دين الله.
﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ حالٌ، والرَّابط الواو ؛ أي : كارهون لمجيء الحق ولظهور أمر الله.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٣