أراد :" يَعْلمَنْ " فأبدل الخفيفة ألفاً بعد فتحة، كالتنوين.
وقرأ القاضي أيضاً، وطلحة " هَلْ يُصَيِّبنا " بتشديد الياء.
قال الزمخشريُّ : ووجهه أن يكون " يُفَيْعِل " لا " يُفَعِّل " لأنَّهُ من ذوات الواو، كقولهم : الصَّواب، وصَابَ يَصوبُ، ومَصَاوب، في جمع " مصيبة " فحقُّ " يُفَعِّل " منه " يُصَوِّب "، ألا ترى إلى قولهم : صوَّب رأيه، إلاَّ أن يكون لغة من يقول : صَابَ السَّهْمُ يصيبُ ؛ كقوله :[المنسرح] ٢٧٩٣ -.............................
أسْهُمِيَ الصَّائِبَاتُ والصُّيُبُ
يعني : أن أصله " يُصَوْيب " فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياءً، وأدغم فيها.
وهذا كما تقدم في " تَحَيَّزَ " أنَّ أصله " تَحَيْوزَ "، وأمَّا إذا أخذناه من لغة من يقول : صَاب السَّهم يصيب، فهو من ذوات الياء فوزنه على هذه اللغة " فَعَّلط.
فصل المعنى : قل لهم يا محمد ﴿لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ أي : علينا، وقدره في اللوح المحفوظ، أو يكون المعنى " لنْ يُصيبنَا إلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنَا " أي : في عاقبة أمرنا من
١١٢
الظفر بالعدو، والاستيلاء عليهم.
وقال الزجاج : المعنى : إذا صرنا مغلوبين، صرنا مستحقين للأجر العظيم، والثَّواب الكثير، وإن صرنا غالبين، صرنا مستحقين للثواب في الآخرة وفزنا بالمال الكثير، والثناء الجميل في الدنيا والصحيح الأول.
ثم قال :" هُوَ مَوْلاَنَا " ناصرنا، وحافظنا.
قال الكلبي " هو أوْلَى بنا من أنفسنا، في الحياة والموت ".
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وهذا كالتنبيه على أن حال المنافقين بالضد من ذلك، وأنهم لا يتوكلون إلا على الأسباب الدنيوية الفانية.
فصل ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ الآية.
هذا الجواب الثاني عن فرح المنافقين بمصائب المؤمنين، أي :" هَلْ تَربَّصُونَ "، أي : تنتظرون، " بنا " أيها المنافقون، ﴿إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ إمَّا النصر والغنيمة، فيحصل لنا الفوز بالأموال في الدنيا والنصر، والفوز بالثواب العظيم في الآخرة، وإمَّا الشهادة، فيحصل لنا الثواب العظيم في الآخرة.
قوله :﴿إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ مفعول " تربَّص "، فهو استثناء مفرغ.
وقرأ ابن محيصنٍ :" إلاَّ احْدَى " بوصل ألف " إحدى " ؛ إجراءً لهمزة القطع مجرى همزة الوصل ؛ فهو كقول الشاعر :[الرجز]
٢٧٩٤ - إنْ لَمْ أقَاتِلْ فالبسُونِي بُرقَعَا
وقول الآخر :[الكامل] ٢٧٩٥ - يَا بَا المُغيرةَ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ
فرَّجْتهُ بالمكْرِ مِنِّي والدَّهَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١١٠
قوله :﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ﴾ إحدى السوأتين إمَّا ﴿أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ فيهلككم كما أهلك تلك الأمم الخالية، ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ أي : بأيدي المؤمنين، إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق، فيقع بكم القتلِ والنَّهب مع الخزي والذلّ، ومفعول : التربص " أَن يُصِيبَكُمُ " ثم قال :" فَتَرَبَّصُوا ااْ " أي : إحدى الحالتين الشريفتين ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ﴾ أي : مواعيد الله من إظهار دينه، واستئصال من خالفه، فقوله :" فَتَرَبَّصُوا ااْ " وإن كان صيغة أمر، إلاَّ أنَّ المراد منه : التهديد، كقوله :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان : ٤٩].
قوله تعالى :﴿قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْها﴾ الآية.
" طوعاً، أو كرهاً " مصدران في موضع الحال، أي : طائعين، أو كارهين.
وقرأ
١١٣
الأخوان " كُرهاً " بالضَّمِّ، وقد تقدم تحقيقُ ذلك في النساء.
وقال أبُو حيان هنا :" قرأ الأعمش وابن وثاب " كُرهاً " بضم الكاف ".
وهذا يُوهم أنَّها لم تُقْرأ في السبعة.
قال الزمخشري : هو أمرٌ في معنى الخبر، كقوله :﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـانُ مَدّاً﴾ [مريم : ٥٧]، ومعناه لن يُتقبَّل منكم ؛ أنفقتم طوعاً أو كرهاً، ونحوه قوله تعالى :﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة : ٨٠] ؛ وقول كثير عزة :[الطويل] ٢٧٩٦ - أسيئي بِنَا أو أحْسِنِي لا ملُومَة
...............................
أي : لن يغفر اللهُ، استغفرت لهم، أو لم تستغفر.
ولا نلومُكِ أحسنتِ إلينا، أم أسَأتِ ؛ وفي معناه قول القائل :[الطويل] ٢٧٩٧ - أخُوكَ الذي إنْ قُمْتَ بالسَّيفِ عَامِداً
لِتضْربَهُ لَمْ يَسْتغشَّكَ في الوُدِّ


الصفحة التالية
Icon