وقال ابن عطيَّة " هذا أمرٌ في ضمنه جزاءٌ،  والتقدير : إنْ تنفقوا لن يُتقبَّل منكم.
 وأمَّا إذا عَرِي الأمرُ من الجواب فليس يصحبه تضمُّنُ الشَّرط " قال أبُو حيَّان " ويقَدْح في هذا التَّخريجِ،  أنَّ الأمر إذا كان فيه معنى الشرط،  كان الجواب كجواب الشرط.
 فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب :" فلن يتقبل " بالفاء،  لأنَّ " لَنْ " لا تقعُ جواباً للشَّرط إلاَّ بالفاء فكذلك ما ضُمِّنَ معناه ؛ ألا ترى جزمه الجواب،  في قوله : اقصد زيداً يُحْسِنْ إليكَ ".
 قال شهابُ الدِّينِ " إنَّما أراد أبو محمد تفسير المعنى،  وإلا فلا يجهلُ مثل هذه الواضحات،  وأيضاً فلا يلزمُ أن يعطى الأمر التقديري حكم الشَّيء الظاهر من كل وجه ".
 وقوله :" إنَّكمُ " وما بعده جارٍ مجرى التعليل.
 وقوله :﴿لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾ يحتملُ أن يكون المراد أن الرسُول - عليه الصلاة والسلام - لا يتقبل تلك الأموال منهم،  ويحتملُ أن يكون المراد أنها لا تصير مقبولة عند الله تعالى.
 قيل : نزلت في جد بن قيس حين استأذن في القعود،  وقال : أعينكم بمالي،  والمرادُ بالفسق هنا : الكفر،  لقوله بعده ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ﴾ [التوبة : ٥٤].
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١١٠
قوله تعالى :﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ﴾ الآية.
 " أنْ تُقْبَلَ " فيه وجهان،  أحدهما : أنه مفعول ثانٍ،  لـ " مَنَعَ " إمَّا على تقدير إسقاطِ حرف الجر،  أي : من أن يقبل،  وإمَّا لوصول الفعل إليه بنفسه ؛ لأنَّك تقول : منعتُ زيداً حقَّه ومن حقه.
 والثاني : أنَّهُ بدلٌ من " هم " في :" مَنَعَهُمْ "،  قاله أبو البقاءِ،  كأنَّهُ يريد : بدل الاشتمال،  ولا حاجة إليه.
 وفي فاعل " مَنَعَ " وجهان : أظهرهما : أنَّهُ ﴿إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ﴾ أي : ما منعهم قبول نفقتهم إلاَّ كفرهم.
 والثاني : أنَّهُ ضمير الله تعالى : أي وما منعهم الله،  ويكون " إِلاَّ أَنَّهُمْ " منصوباً على إسقاط حرف الجر،  أي : لأنَّهم كفروا.
 وقرأ الأخوان " أن يُقْبَلَ " بالياءِ من تحت.
 والباقون بالتَّاء من فوق.
 وهما واضحتان،  لأنَّ التأنيث مجازي.
 وقرأ زيد بن علي كالأخوين إلاَّ أنَّه أفرد النفقة.
 وقرأ الأعرج " تُقبل " بالتاء من فوق،  " نَفَقَتهُم " بالإفراد.
 وقرأ السُّلمي " يَقْبل " مبنياً للفاعل،  وهو الله تعالى.
 وقرىء " نَقْبل " بنون العظمة،  " نفقتهم " بالإفراد.
 فصل ظاهر اللفظ يدل على أنَّ منع القبول معلل بمجموع الأمور الثلاثة،  وهي الكفر بالله ورسوله،  وإتيان الصَّلاة وهم كسالى،  والإنفاق على سبيل الكراهية.
 ولقائل أن يقول : الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبولِ،  فلا يبقى لغيره أثر،  فكيف يمكن إسناد الحكم إلى السببين الباقيين ؟.
١١٥