ومنه " يَعْدُو الجَمَزَى " وهو أن يجمع رجليه معاً، ويهمز بنفسه، هذا أصله في اللغة وقوله :" إليهِ " عاد الضميرُ على " الملجأ " أو على " المُدَّخل "، لأنَّ العطف بـ " أوْ "، ويجوز أن يعود على " المغارات " لتأويلها بمذكر.
ومعنى الآية : أنهم لو يجدون مخلصاً منكم أو مهرباً لفارقوكم.
قوله تعالى :﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ الآية.
قرأ العامة " يَلْمِزُكَ " بكسر الميم، من : لَمَزه يَلْمِزه، أي.
عابه، وأصله : الإشارة بالعين ونحوها.
قال الأزهري أصله : الدفع، لَمَزتُهُ دفعته وقال الليث هو الغمز في الوجه ومنه : هُمزةٌ لُمَزَة.
أي : كثيرُ هذين الفعلين.
وقال أبو بكر الأصم " اللَّمز : أن يشير إلى صاحبه بعيب جليسه.
والهمز : أن يكسر عينه على جليسه إلى صاحبه ".
وقرأ يعقوب، وحماد بن سلمة عن ابن كثير، والحسن، وأبو رجاء، ورويت عن أبي عمرو بضمها، وهما لغتان في المضارع.
وقرأ الأعمش " يُلْمِزُكَ " مِنْ " الْمَز " رباعياً.
وروى حماد بن سلمة " يُلامِزُكَ " على المفاعلة من واحدٍ، كـ : سافرَ، وعاقب.
هذا شرح نوع آخر من طباعهم وأفعالهم، وهو طعنهم في الرسول بسبب أخذ الصدقات، ونزلت في ذي الخويصرة التميمي، واسمه : حرقوص بن زهير، أصل الخوارج.
قال أبو سعيد الخدري بينما رسول الله ﷺ يقسم مالاً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي، وقال : يا رسول الله اعدل، فقال :" ويلك من يعدل إذا لم أعدل ؟ " فنزلت هذه الآية.
وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين ويقال له : أبو الجواظ لرسول الله ﷺ : أتزعم بأن الله أمرك بأن تضع صدقات في الفقراء والسماكين، فلم تعضها في رعاة الشاء ؟ فقال رسول الله ﷺ :" لا أبا لك، فإنما كان موسى راعياً وإنما كان داود راعياً "، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما ذهب قال عليه السلام :" احذروا هذا وأصحابه، فإنهم منافقون ".
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره أنه عليه السلام قال لرجل من أصحابه :" ما علمك بفلان ؟ " قال ما لي به علم إلا أنك تدينه في المجلس وتجزل له العطاء، فقال عليه السلام :" إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخاف إفساده.
" قال ابن عباس " يلمزك " : يغتابك، وقال قتادة : يطعن عليك، وقال الكلبي : يعيبك في أمرٍ ما، قال أبو علي الفارسي : هنا محذوف والتقدير : يعيبك في تفريق الصدقات فإن أعطوا كثيراً فرحوا، وإن أعطوا قليلاً فإذا هم يسخطون.
وقد تقدم الكلام
١٢٠
على " إذا " الفجائية، والعامل فيها.
قال أبو البقاء :" يسخطون " لأنه قال : إنها ظرف مكان، وفيه نظر تقدم نظيره.
قوله :﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ﴾.
الظاهر أنَّ جواب " لَوْ " محذوفٌ، تقديره : لكان خيراً لهم.
وقيل : جوابها " وقالوا "، والو مزيدةٌ، وهذا مذهبُ الكوفيين.
والمعنى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ما نحتاج إليه ﴿إِنَّآ إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ هاتانِ الجملتان كالشَّرح لقولهم :" حَسبُنَا اللهُ "، فلذلك لم يتعاطفا، لأنَّهُمَا كالشَّيء الواحد، فشدَّه الاتصال منعت العطف.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١١٥
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ الآية.
اعلم أنَّ المنافقين لمَّا لمزوا الرسول عليه الصلاة والسلام في الصدقات، بيَّن لهم أنَّ مصرف الزكاة هؤلاء، ولا تعلق لي بها، ولا آخذ لنفسي نصيباً منها.
وقد ذكر العلماء في الحكمة في وجوب الزكاة أموراً : منها : قالوا : شكر النِّعمة عبارة عن صرفها إلى طلب مرضاة المنعم، والزكاة شكر النعمة.
فوجب القولُ بوجوبها ؛ لأنَّ شكر المنعم واجب.
ومنها : أنَّ إيجاب الزكاة توجب حصول الألفة بالمودَّة، وزوال الحقد والحسد بين المسلمين فهذه وجوهٌ معتبرةٌ في الحكمة الناشئة لوجوب الزَّكاة.
ومنها : أنَّ الفاضل عن الحاجات الأصلية إذا أمسكه الإنسان عطَّله عن المقصود
١٢١