قال شهابُ الدِّين " لأنَّ الظَّاهر منصوبةٌ على المصدر.
وفي التفسير : أول خرجةٍ خرجها رسولُ الله ﷺ، فالمعنى : أول مرَّة من الخروج ".
قال الزمخشريُّ " فإن قلت :" مَرَّةٍ " نكرة، وضعت موضع المرات، للتفضيل، فلمَ ذُكِرَ اسمُ التفضيل المضافُ إليها، وهو دالٌّ على واحدةٍ من المرَّاتِ ؟ قلت : أكثرُ اللُّغتين : أن يقال هند أكبرُ النساء، وهي أكبرهنَّ، ثم إنَّ قولك : هي كبرى امرأة، لا يكادُ يُعثر عليه، ولكن هي أكبر امرأة، وأول مرة وآخر مرة ".
والمعنى : أنَّ الحاجةَ في المرَّة الأولى إلى موافقتكم كانت أشدّ، وبعد ذلك زالت تلك الحاجة فلما تخلَّفْتُم عند مسيس الحاجة إلى حضُورِكُم ؛ فبعد ذلك لا نقبلكم، ولا نلتفتُ إليكم.
قوله :" مَعَ الْخَالِفِينَ " هذا الظَّرفُ يجوز أن يكون متعلقاً بـ " اقْعُدُوا "، ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ ؛ لأنَّه حال من فاعل " اقْعُدُوا ".
والخَالِفُ : المتخلِّفُ بعد القوم.
قال الأخفشُ، وأبو عبيده :" الخَالِفُونَ " جمع، واحدهم " خالف "، وهو من يخلف الرجل في قومه.
والمعنى : مع الخالفينَ من الرِّجال الذين يخلفون في البيت، فلا يبرحون.
وقال الفرَّاءُ : المراد : بـ " الخَالِفينَ "، يقالُ : عبد خالف، إذا كان مخالفاً.
وقال الأخفشُ : فلان خالفةُ أهل بيته إذا كان مخالفاً لهم، وقال الليثُ : يقال هذا رجل خالفةٌ، أي : مخالف كثير الخلاف، فإذا جمع قلت : الخالفُونَ.
وقال الأصمعيُّ : الخالفُ : هو الفاسد، يقال : خلف فلان عن كل خير يخلف خلوفاً، إذا فسد ومنه " خُلُوف فَمِ الصَّائمِ "، والمراد بهم : النِّساءُ والصبيانُ والرِّجالُ العاجزون ؛ فلذلك جازَ جمعهُ للتَّغليب.
وقال قتادةُ : الخَالِفُونَ : النِّسَاء " وهو مردودٌ، لأجْلِ الجمع.
وقرأ عكرمة، ومالكُ بن دينارٍ " مَعَ الخَلِفينَ " مَقصُوراً من " الخَالِفِينَ " ؛ كقوله :[الرجز]
٢٨٢٢ - مِثْلُ النَّقَا لَبَّدَهُ ضَرْبُ الظِّلَلْ
وقوله :[الرجز] ٢٨٢٣ -......................
عَرِدَا
..........................
بَرِدَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٨
يريد :" الظِّلال " و " عَرِدّا " : بَارِداً.
١٦١
قوله تعالى :﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم﴾ الآية.
" مِنْهُم " صفةٌ لـ " أحَدٍ "، وكذلك الجملة من قوله :" مَاتَ "، في موضع جر أيضاً كأنه قيل : على أحدٍ منهم ميت، ويجوزُ أن يكون " مِنْهُم " حالاً من الضَّمير في " مَاتَ " أي : مات حال كونه منهم، أي : مُتَّصِفاً بصفة النِّفاقِ، كقولهم : أنت مني، يعني : على طريقتي و " أبَداً " ظرف منصوب بالنهي، وهذا الظَّرفُ متعلق بـ " أحَد "، والتقدير : ولا تصل أبداً على أحدٍ منهم.
فصل اعلم أنَّهُ تعالى أمر رسوله أن يُهينَهُم، ويذلهم، بمنعهم من الخروج معه إلى الغزوات ثمَّ منعه في هذه الآية من أن يُصلي على من مات منهم.
روى ابنُ عبَّاسٍ : أنَّه مات، ويقوم على قبره، ثمَّ إنه أرسل إلى الرسول ﷺ وطلب منه قميصه، ليكفن فيه ؛ فأرسل إليه القميص الفوقاني، فردَّه، وطلب الذي يلي جلده ليكفَّن فيه، فقال عمرُ : لِمَ تُعطِي قميصَك للرجس النَّجس ؟ فقال رسول الله ﷺ " إنَّ قميصِي لا يُغْنِي عنهُ مِنَ اللهِ شيئاً، ولعلَّ اللهَ أن يُدخلَ بِه ألفاً في الإسلام " وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله ؛ فلمَّا رأوه يطلبُ القميص، ويرجو أن ينفعه، أسلم منهم يومئذ ألفٌ.
فلمَّا مات جاء ابنُهُ يعرفه، فقال عليه الصلاة والسلام لابنه :" صَلِّ عليْهِ واذْفِنْهُ "، فقال : إن لم تُصل عليه يا رسول الله لم يُصَلّ عليه مسلمٌ، فقام ﷺ، ليصلِّي عليه ؛ فجاء عمر فقام بين رسول الله ﷺ وبين القبلة ؛ لئلاَّ يصلي عليه، فنزلت الآية وأخذ عمر بثوبه وقال :﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾، وهذا يدلُّ على منقبة عظيمة من مناقب عمر ؛ وذلك لأنَّ الوَحْيَ نزل على وَفْق قوله في آيات كثيرة منها : آية أخذ الفداء عن أسارى بدر كما سبق، ومنها :" آية تحريم الخمر " [المائدة : ٩٠]، ومنها :" آية تحويل القبلة " [البقرة : ١٤٢]، ومنها : آية أمر النِّساء بالحجاب، وهذه الآية ؛ فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصباً عالياً، ودرجة رفيعة في الدِّين، ولهذا قال ﷺ :" لوْ لَمْ أبْعَثْ لبعثتَ يا عمر نبيّاً ".
قال القرطبيُّ : إن قال قَائِلٌ، كيف قال له عمر : أتصلي عيه، وقد نهاكَ اللهُ أنْ
١٦٢