تُصَلِّي عليه ولم يكن تقدم نهي عن الصلاة عليهم ؟ قيل له : يحتملُ أن يكون ذلك وقع له في خاطره، ويكون من قبيل الإلهام والتحدث الذي شهد له به رسول الله ﷺ، وقد كان القرآن ينزل على وفق مراده، كما قال : وافقت ربي في ثلاث، وجاء : في أربع ؛ فيكون هذا من ذاك.
ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله :﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة : ٨٠] الآية، ويحتملُ أن يكون فهم ذلك من قوله :﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ااْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة : ١١٣] فإن قيل : كيف يجوزُ أن يرغب الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الصَّلاة عليه بعد علمه بأنه كافر وقد مات على كفره، وأنَّ صلاة الرَّسول - عليه الصلاة والسلام - تجري مجرى الإجلال والتَّعظيم وأيضاً فالصَّلاة عليه تتضمَّنُ الدُّعاء له، وذلك محظورٌ ؛ لأنَّه تعالى أعلمه أنه لا يغفر للكافرِ ألبتة، وأيضاً دفع القميص إليه يوجب إعزازه ؟.
فالجواب : لعلَّ السَّبب فيه، أنَّه لمَّا طلب من الرسول - عليه الصلاة والسلام - القميص الذي يمسّ جلده، ليدفن فيه، غلب على ظنّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنه آمن ؛ لأنَّ ذلك الوقت وقت توبة الفاجر، وإيمان الكافر، فلمَّا رأى منه إظهار الإسلام، وشاهد منه هذه الأمارة التي دلت على إسلامه، غلب على ظنِّه إسلامه ؛ فبنى على هذا الظَّن، ورغب في الصلاة عليه، فلمَّا نزل جبريلُ عليه السلام وأخبره بأنه مات على كفره ونفاقه ؛ امتنع من الصلاة عليه وأمَّا دفع القميص إليه، وكان رجلاً طويلاً ؛ فكساهُ عبدالله قميصه.
وقيل : إنَّ المشركين قالوا له يوم الحديبيةِ : إنَّا لا ننقادُ لمحمَّدٍ، ولكنَّا ننقاد لك، فقال : لا، إنَّ لي في رسول الله أسوةً حسنةً ؛ فشكر رسولُ الله له ذلك.
قال ابنُ عيينة : كانت له عند النبي ﷺ يدٌ فأحبَّ أن يُكافِئَهُ.
وقيل : إنَّ الله تعالى أمره أن لا يرد سائلاً، لقوله تعالى :﴿وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ﴾ [الضحى : ١٠] فلمَّا طلب القميص منه دفعه إليه، لهذا المعنى.
وقيل : إنَّ منع القميص لا يليقُ بأهل الكرم وذلك أنَّ ابنه عبد الله بن عبدالله بن أبيّ كان من الصالحين ؛ فالرسولُ أكرمه لمكان ابنه وقيل : لعلَّ اللهَ تعالى أوحى إليه، أنَّك إذا دفعت قميصك إليه صار ذلك سبباً لدخول نفر من المنافقين في الإسلامِ، فقيل لهذا الغرض، كما روي فيما تقدَّم، وقيل : إنَّ الرّأفة والرحمة كانت غالبةً عليه ﷺ، لقوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء : ١٠٧] فامتنع من الصَّلاة عليه، لأمر الله تعالى، ودفع القميص رأفة ورحمة.
واعلم أنَّ قوله ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ يحتملُ تأبيد النَّفي، ويحتملُ نفي التأبيد والأول هو المقصودُ ؛ لأنَّ قرائن هذه الآية دالَّة على أنَّ المقصود منعه من أن يصلِّي على أحد منهم منعاً كُلِّيّاً دائماً.
ثم قال :﴿وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وفيه وجهان :
١٦٣


الصفحة التالية
Icon