وقال الزمخشريُّ :" أوَّاه : فعَّال، مِنْ أوَّهْ، كـ :" لئَّالٍ " من اللُّؤلؤ، وهو الذي يكثر التَّأوُّه ".
قال أبُو حيان " وتشبيه " أوَّاه " مِنْ " أوَّهْ " كـ " لَئّال " من اللؤلؤ ليس بجيدٍ ؛ لأنَّ مادة " أوَّهْ " موجودةٌ في صورة " أوَّاه "، ومادة " لؤلؤ " مفقودةٌ في " لَئّال " ؛ لاختلاف التركيب إذ " لَئّال " ثلاثي، و " لؤلؤ " رباعيّ، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية ".
قال شهابُ الدِّين :" لَئّال "، و " لؤلؤ " كلاهما من الرُّباعي المكرر، أي : إنَّ الأصل لام وهمزة ثم كرَّرْنا، غاية ما في الباب أنَّهُ اجتمع الهمزتان في " لَئّال " فأدغمت أولاهما في الأخرى، وفُرق بينهما في " لؤلؤ " وقال ابن الأثير في قوله عليه السلام :" أوْه عن الرِّبا " كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجُّع وهي ساكنة الواو ومكسورة الهاء، وربَّما
٢٢٣
قلبُوا الواو ألفاً فقالوا : آهِ من كذا، وربَّمَا شدَّدُوا الواو وكسرُوها وسكَّنُوا الهاء فقالوا " أوّهْ " وربما حذفُوا مع التَّشديد الهاء فقالوا :" أوّ " وبعضهم فتح الواو مع التشديد فيقول " أوَّهْ ".
وقال الجوهريُّ : بعضهم يقول " آوَّه " بالمد والتشديد وفتح الواو ساكنة الهاءِ ؛ لتطويل الصوت بالشِّكاية، ورُبَّمَا أدخلُوا فيه التَّاء فقالوا " أوَّتَاهُ " بمدِّ وبغير مدّ.
فصل قال عليه الصلاة والسلام :" الأوَّاه : الخاشع المُتضرِّع " وعن عمر :" الدُّعَّاءُ أنَّهُ سأل رسول الله ﷺ عن الأوَّاه، فقال :" ويروى " أن زينب تكلَّمت عند رسول الله ﷺ بما غيَّر لونه ؛ فأنكر عمر، فقال عليه الصلاة والسلام : دعهَا فإنَّها أوَّاهَةٌ " فقيل يا رسُول الله، وما الأواهةُ ؟ قال :" الدَّاعيةُ الخاشِعةُ المُتضرِّعَةُ ".
وقيل : معنى كون إبراهيم أوَّاهاً، كلَّما ذكر لنفسه تقصيراً، أو ذكر له شيء من شدائد الآخرة كان يتأوَّه إشفاقاً من ذلك واستعظاماً لهُ.
وعن عبَّاسٍ : الأوَّاه، المؤمن التَّواب.
وقال عطاءٌ وعكرمةُ : هو الموقن.
وقال مجاهدٌ والنخعيُّ : هو الفقيه.
وقال الكلبيُّ وسعيد بنُ المسيِّب : هو المُسبِّحُ الذي يذكر الله في الأرض القفر الموحشة.
وقال أبُو ذرٍّ : هو المتأوه ؛ لأنه كان يقول " آهٍ من النَّار قَبْلَ ألا تنفعَ آهُ ".
و " الحَلِيمُ " معلوم.
وإنَّما وصفهُ بهذين الوصفين ههنا ؛ لأنَّه تعالى وصفه بشدّة الرقة والشَّفقة والخوف، ومن كان كذلك فإنَّه تعظم رقته على أبيه وأولاده، ثم إنَّهُ مع هذه الصفات تَبَرَّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لمَّا ظهر له إصراره على الكُفْرِ، فأنتم بهذا المعنى أولى.
قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً﴾ الآية.
٢٢٤
لمَّا منع المسلمين من أن يستغفرُوا للمشركين، والمسلمون كانوا قد استغفروا للمشركين قبل نزول الآية، فلمَّا نزلت هذه الآية خافُوا بسبب ما صدر عنهم قبل ذلك من الاستغفار للمشركين.
وأيضاً فإنَّ أقواماً من المسلمين الذين استغفروا للمشركين، كانوا ماتوا قبل نزولِ هذه الآية فوقع الخوفُ في قلوب المسلمين أنَّهُ كيف يكون حالهم ؛ فأزال الله ذلك عنهم بهذه الآية وبيَّن أنه لا يؤاخذهم بعمل إلاَّ بعد أن يُبيِّنَ لهم أنَّه يجبُ عليهم أن يتَّقُوهُ ويحترزوا عنه فهذا وجهٌ حسنٌ في النَّظْمِ.
فصل معنى الآية : ما كان الله ليحكم عليكم بالضَّلالةِ بترك الأوامرِ باستغفاركم للمشركين ﴿حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾.
قال مجاهدٌ :" بيان الله للمؤمنين في ترْكِ الاستغفار للمشركين خاصة، وبيانه لهم في معصيته وطاعته عامة ".
وقال الضحاك :" ما كان اللهُ ليُعذِّبَ قوماً حتى يُبيِّنَ لهم ما يأتون وما يذَرُونَ ".
وقال مقاتلٌ والكلبيُّ : هذا في المنسوخ، وذلك أنَّ قوماً قدمُوا على النبي ﷺ وأسلمُوا قبل تحريم الخمر وصرف القبلة إلى الكعبةِ ؛ فرجعوا إلى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة، ولا علمَ لهم بذلك، ثم قدمُوا بعد ذلك المدينة ؛ فوجدُوا الخمر قد حُرِّمَتْ والقبلة قد صُرفتْ، فقالوا يا رسول الله : قد كنت على دينٍ ونحن على غيره، فنحن ضلال ؟ فأنزل الله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم﴾ الناسخ، وقيل : المعنى : أنَّهُ أضلهُ عن طريق الجنَّةِ أي : صرفه ومنعه من التوجّه إليه.
وقالت المعتزلة : المراد من هذا الإضلال، الحكم عليهم بالضلال ؛ واحتجُّوا بقول الكميت :[الطويل] ٢٨٥٢ - وطَائِفَةٍ قَدْ أكفرُونِي بحُبِّكُم
........................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢١٥


الصفحة التالية
Icon