التَّمرة إلاَّ النواة، وكان معهم شيء من شعير مُسَوَّسٍ، فكان أحدهم إذا وضع اللُّقْمَة في فيه أخذ أنفه من نتن اللُّقمةِ.
وأمَّا عسرة الماءِ، فقال عمرُ : خرجنا في قيظٍ شديدٍ، وأصابنا فيه عطشٌ شديدٌ ؛ حتَّى إنَّ الرجُل لينحر بعيرهُ فيعصر فرثهُ، ويشربهُ.
وهذه تسمى غزوة العسرة، ومن خرج فيها فهو جيش العُسرةِ، وجهزهم عثمان وغيره من الصَّحابة - رضي الله عنهم -.
والثاني : قال أبو مسلم " يجوزُ أن يكون المراد بساعة العسرة جميع الأحوال، والأوقات الشديدة على الرَّسُولِ، وعلى المؤمنين ؛ فيدخل فيه غزوة الخندق وغيرها.
وقد ذكر الله تعالى بعضها في القرآن، كقوله :﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب : ١٠] وقوله :﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ [آل عمران : ١٥٢] الآية، والمقصود منه وصف المهاجرين، والأنصار بأنَّهُم اتَّبعُوا الرَّسول - عليه الصلاة والسلام - في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة، وذلك يفيدُ نهاية المدح والتعظيم ".
قوله :﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ﴾ قرأ حمزة وحفص عن عصام " يَزِيغُ " بالياءِ
٢٢٨
من تحت والبقاون بالتاء من فوق.
فالقراءةُ الأولى تحتمل أن يكون اسمُ " كاد " ضمير الشَّأن و " قلوبُ " مرفوع بـ " يزيغُ "، والجملةُ في محلِّ نصبٍ خبراً لها، وأن يكونَ اسمها ضمير القوم، أو الجمع الذي دلَّ عليه ذكرُ " المهاجرين والأنصار "، ولذلك قدَّرهُ أبو البقاءِ، وابنُ عطيَّة :" من بعد مَا كَادَ القَوْمُ ".
وقال أبو حيان - في هذه القراءة - " فيتعيَّن أن يكونَ في " كاد " ضميرُ الشَّأن، وارتفاع " قُلوبُ " بـ " يزيغُ "، لامتناع أن يكون " قلوب " اسم " كاد "، و " يزيغُ " في موضع الخبر ؛ لأنَّ النِّيةَ فيه التأخير ولا يجوزُ : من بعد ما كاد قلوب يزيغُ بالياء " قال شهابُ الدِّين : ولا يتعيَّن ما ذكر في هذه القراءة، لما تقدَّم من أنَّهُ يجوزُ أن يكون اسمُ " كاد " ضميراً عائداً على الجمع أو القوم، والجملة الفعليَّة خبرها، ولا محذور يمنع ذلك من ذلك.
وقوله : لامتناع أن يكون " قُلُوب " اسم " كَادَ " لزم أن يكون " يزيغُ " خبراً مقدماً ؛ فيلزمُ أن يرفع ضميراً عائداً على " قُلوبُ "، ولو كان كذلك للزم تأنيثُ الفعل ؛ لأنَّهُ حينئذٍ مسندٌ إلى ضمير مؤنث مجازي ؛ لأنَّ جمع التَّكسير يجري مجرى المؤنث مجازاً.
وأمَّا قراءة التَّاء من فوق ؛ فتحتمل أن يكون في " كَادَ " ضميرُ الشَّأن، كما تقدَّم، و " قلوبُ " مرفوع بـ " تزيغُ " وأنَّثَ لتأنيث الجمع، وأن يكون " قُلبوُ " اسمها، و " تزيغُ " خبر مقدَّم، ولا محذور في ذلك ؛ لأنَّ الفعل قد أنَّثَ.
وقال أبُو حيَّان : وعلى كُلِّ واحدٍ من هذه الأعرايب الثلاثة إشكال على ما تقرَّر في علم النَّحو مِنْ أنَّ خبر أفعالِ المقاربةِ لا يكون إلاَّ مضارعاً رافعاً ضمير اسمها ؛ فبعضهم أطلق وبعضهم قيَّد بغير " عَسَى " من أفعال المقاربة، ولا يكونُ سبباً، وذلك بخلاف " كان " فإن خبرها يرفع الضمير والسبي لاسم " كان "، فإذا قدَّرْنَا فيها ضمير الشَّأن كانت الجملةُ في موضع نصب على الخبرِ، والمرفوعُ ليس ضميراً يعود على اسم " كاد "، بل ولا سبباً له، وهذا يلزمُ في قراءة التَّاءِ أيضاً.
وأما توسط الخبر ؛ فهو مبنيٌّ على جوازِ مثل هذا التركيب في مثل :" كان يقُومُ زيد "، وفيه خلافٌ والصحيحُ المنع.
وأمَّا الوجه الأخير ؛ فضعيف جداً، من حيثُ أضمر في " كاد " ضميراً، ليس له علىمن يعود إلاَّ بتوهُّم ومن حيثُ يكونُ خبر " كاد " رافعاً سبباً.
قال شهابُ الدِّين : كيف يقولُ " والصَّحيحُ المنعُ " وهذا التركيب موجود في القرآن، كقوله تعالى :﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ [الأعراف : ١٣٧] ﴿كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ [الجن : ٤]، وفي قول امرىء القيس :[الطويل] ٢٨٥٦ - وإنْ تَكُ سَاءَتْكَ مِنِّي خَليقَةٌ
.........................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٦
فهذا التركيبُ واقعٌ لا محالة.
وإنَّما اختلفوا في تقديره : هل من باب تقديم الخبر،
٢٢٩


الصفحة التالية
Icon