قوله :﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ﴾ الهمزة للإنكار، و " أَنْ أَوْحَيْنَآ " " أن " والفعل في تقدير المصدر وهو اسم " كان "، و " عَجَباً " خبرها، و " للنَّاس " متعلِّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من " عَجَباً " لأنه في الأصل صفة له، أو متعلِّقٌ بـ " عَجَباً "، ولا يضُرُّ كونه مصدراً ؛ لأنَّه يُتَّسع في الظرف وعديله ما لا يُتَّسع في غيرهما.
وقيل : لأنَّ " عَجَباً " مصدرٌ واقعٌ موقع اسم الفاعل أو اسم المفعول، ومتى كان كذلك جاز تقديمُ معموله.
وقيل :
٢٥٣
هو متعلِّق بـ " كَانَ " النَّاقصة، وهذا على رأي مَنْ يُجيز فيها ذلك.
وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة " كان " النَّاقصة على الحدث، فإن قلنا : إنَّها تدلُّ على ذلك فيجُوزُ وإلاَّ فلا.
وقيل : هو متعلِّقٌ بمحذوفٍ على التَّبيين، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجُلٍ منهم عجباً لهم.
و " منهم " صفة لـ " رجُل ".
وقرأ رُؤبة " رَجْل " بسكون الجيم، وهي لغة تميم، يُسَكِّنُون " فَعُلاً " نحو : سبع وعضد.
وقرأ عبدالله بن مسعود " عَجَبٌ ".
وفيه تخريجان، أظهرهما : أنَّها التَّامة، أي : أحدث للنَّاس عجب و " أنْ أوْحَيْنَا " متعلِّق بـ " عجب " على حذف لامِ العلَّة، أي : عجبٌ لـ " أنْ أوْحَيْنَا "، أو يكون على حذف " مِنْ "، أي : مِنْ أنْ أوحينا.
والثاني : أن تكون الناقصة، ويكون قد جعل اسمها النَّكرة وخبرها المعرفة، على حدِّ قوله :[الوافر] ٢٨٦٤ -......................
يكُونُ مزاجها علسلٌ ومَاءُ
وقال الزمخشري : والأجودُ أن تكون التَّامة، و " أنْ أوحَيْنَا " : بدلٌ من " عَجَبٌ ".
يعني به بدل اشتمال أو كل من كل، لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة، والتخريج الثاني لابن عطيَّة.
فصل التعجُّب : حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة، وسبب نزول هذه الآية : أنَّ الله - تعالى - لمَّا بعث محمَّداً ﷺ رسولاً، تعجَّب كفار قريش وقالوا : إنَّ الله أعظم من أن يكون رسُوله بشراً، فأنكر الله عليهم ذلك التعجُّب، أما بيان تعجُّبهم من تخصيص محمَّدٍ بالرسالة فمن وجوه : الأول : قوله تعالى :﴿وَعَجِبُوا ااْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾ [ص : ٤] إلى قوله :﴿إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص : ٥].
والثاني : أن أهل مكَّة كانوا يقولون : إنَّ الله تعالى ما وجد رسُولاً إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب.
والثالث : أنهم قالوا :﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف : ٣١] ؛ فأنرك الله عليهم هذا التعجُّب بقوله ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ﴾ فلفظه استفهام ؛ ومعناه الإنكار لأنْ يكون ذلك عجباً، والمراد بـ " النَّاس " : أهل مكة، والألف فيه للتوبيخ.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل : أكان عند الناس عجباً، بل قال :﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً﴾ ؟.
٢٥٤
فالجواب : أن قوله :﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً﴾ معناه أنهم جعلوه لأنفسهم أعجوبة يتعجَّبُون منها، وعيَّبوه ونصَّبُوه للاستهزاء والتعجُّب إليه وليس في قوله :" أكان عند النَّاس عجباً " هذا المعنى.
وقوله :﴿أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ﴾ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم.
قوله :﴿أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ﴾ يجوز أن تكون المصدريَّة، وأن تكون التفسيريَّة، ثم لك في المصدريَّة اعتباران : أحدهما : أن تجعلها المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشَّأن محذوف.
كذا قال أبو حيَّان، وفيه نظرٌ من حيث إنَّ أخبارَ هذه الحروف لا تكون جملة طلبيَّة، حتى لو ورد ما يوهمُ ذلك يُؤوَّلُ على إضمار القول ؛ كقول الشاعر :[البسيط] ٢٨٦٥ - ولوْ أصَابَتْ لقالتْ وهيَ صَادِقَةٌ
إِنَّ الرِّياضَةَ لا تُنْصِبْكَ للشَّيبِ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٣
وقول الآخر :[البسيط] ٢٨٦٦ - إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سيِّدهُمْ
لا تَحْسَبُوا ليْلَهُمْ عنْ ليْلِكُمْ نَامَا