كأنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ "
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٧٣
يعني : على رواية من رواه " ثَدْيَاهُ " بالألف، ويروى :" كأن ثَدْيَيه " بالياء، على أنها أعملت في الظَّاهر، وهو شاذٌّ، وهذا البيت صدره :[الهزج]
٢٧٨
٢٨٨١ - وَوجهٍ مُشْرقِ النَّحْرِ
كَأنْ ثدْيَاهُ حقَّانِ
وهذه الجملةُ التَّشبيهيَّةُ : في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " مرَّ "، أي : مضى على طريقته، مشبهاً من لم يدعُ إلى كشف ضُرٍّ، و " مسَّهُ " صفةً لـ " ضُرّ "، وقيل :" مَرَّ " عن موقف الابتهال والتضرُّع لا يرجع إليه، ونسي ما كان فيه من الجهدِ والبلاء، كأن لم يدعنا، ولم يطلُب منَّا كشف ضُرِّه.
قوله :﴿كَذلِكَ زُيِّنَ﴾ الكاف من " كذلِكَ " في موضع نصب على المصدر، أي : مثل ذلك التَّزيين والإعراض عن الابتهال، وفاعل " زُيِّنَ " المحذوف : إمَّا الله - تعالى -، و إمَّا الشيطان، و ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ في محل رفع لقيامه مقام الفاعل، و " مَا " يجوز أن تكون مصدريَّة، وأن تكون بمعنى " الذي ".
فصل قال أبو بكر الأصم : سُمّي الكافرُ مُسْرفاً ؛ لأنَّه ضيَّع ماله ونفسه، أمَّا النَّفس، فإنه جعلها عبداً للوثن ؛ وأمَّا المالُ ؛ فلأنهم كانوا يُضَيِّعُون أموالهم في البحيرة، والسَّائبة، والوصيلة والحامِ.
وقيل : من كانت عادتُه كثرة التضرُّع والدعاء، عند نزول البلاء، وعند زوال البلاء بعرضُ عن ذكرِ الله وعن شكره، يكون مُسْرِفاً في أمر دينه، وقال ابن الخطيب :" المُسرفُ هو الذي ينفقُ المال الكثير ؛ لأجل الغرضِ الخسيس، ومعلومٌ أنَّ لذَّاتِ الدنيا وطيباتها خسيسةٌ جداً، في مقابلة سعادات الآخرة، والله - تعالى - أعطى الحواسَّ، والعقل والفهم، والقدرة، لاكتساب السعادات العظيمة الأخرويَّة، فمن بذل هذه الآلات العظيمة الشريفة ؛ ليفوز بالسعادات الخسيسة، كان قد أنفق أشياء عظيمة ؛ ليفوز بأشياء حقيرة ؛ فوجب أن يكون من المسرفين ".
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٧٣
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ الآية.
٢٧٩