وقال ابن عبَّاسٍ : للذين ذكرُوا كلمة لا إله إلاَّ الله، فأمَّا الحُسْنَى : فهي الجنَّة وأمَّا الزيادة : فقال أبو بكر الصِّدِّيق، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت : هي النَّظرُ إلى وجه الله الكريم، وبه قال الحسن، وعكرمة، وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.
روى ابن أبي ليلى، عن صهيبٍ قال :" قرأ رسُول الله ﷺ هذه الآية :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ قال : إذا دخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّة، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، نادى منادٍ : يا أهل الجنَّة : إنَّ لكم عند الله موعداً، قالوا : ما هذا الموعدُ، ألمْ يُثقِّل موازِيننا، ويُبيض وُوجوهنا، ويدخِلْنَا الجنَّة، ويُنْجِنَا من النَّارِ ؟ قال : فيرفعُ الحجابَ فينظرون إلى وجهِ الله - عزَّ وجلَّ -، قال :" فما أعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إليهم من النَّظر إليْهِ " ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة : ٢٢، ٢٣].
وقالت المعتزلةُ : لا يجوزُ حملُ الزِّيادة على الرؤية، لوجوه : أحدها : أنَّ الدلائل العقليَّة دلَّت على أنَّ رؤية الله - تعالى - ممتنعةٌ.
وثانيها : أنَّ الزيادة يجبُ أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤيةُ الله - تعالى - ليست من جنس نعيم الجنَّة.
وثالثها : أنَّ الحديث المرويَّ يوجب التشبيه ؛ لأنَّ النظر : عبارةٌ عن تقليب الحدقة، إلى جهة المرئيِّ، وذلك يقتضي كون المرئيِّ في الجهة ؛ لأنَّ الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك يوجبُ التشبيه، فثبت أنَّ هذا اللفظ، لا يمكن حملُه على الرُّؤية، فوجب حملهُ على شيء آخر.
قال الجبائي : الحُسْنَى : هي الثَّواب المستحق، والزِّيادة :
٣٠٥
ما يزيده الله على ذلك الثَّواب من التفضُّل، كقوله - تعالى - :﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ [فاطر : ٣٠]، ونقل عن عليٍّ - رضي الله عنه -، أنه قال :" الزِّيادة : غرفة من لُؤلؤة واحدة ".
وعن ابن عبَّاسٍ :" الحُسْنَى : هي الحسنة، والزِّيادة عشرُ أمثالها "، وعن الحسن :" عشُر أمثالها إلى سبْعمائة ضعف "، وعن مجاهد :" الزيادة : مغفرة من الله ورضوان ".
وعن يزيد بن سمرة :" الزِّيادة : أن تمُرَّ السَّحابة بأهْلِ الجنَّة، فتقول : ما تُرِيدُون أن أمطركُم، فلا يُريدُون شيئاً إلاَّ أمطرتهم ".
وأجاب أهل السُّنَّة عن هذه الوجوه، فقالوا : أمَّا قولهم : إنَّ الدلائل العقليَّة دلَّت على امتناع رؤية الله - تعالى -، فهذا ممنوع ؛ لأنَّا بيَّنا في كتب الأصُول : أن تلك الدلائل في غاية الفُتُور، وثبت بالأخبارِ الصحيحة إثبات الرُّؤية، كقوله - عليه الصلاة والسلام - :" هل تُمَارُونَ في رُؤْيةِ الشَّمْسِ ليس دُونهَا سَحَاب ؟ " حين سألوه عن رؤية الله - تعالى -، وقوله - عليه الصلاة والسلام - :" هل تُمارُونَ في رُؤيةِ القمرِ ليلة البدر ؟ " فوجب إجراؤها على ظواهرها.
وقولهم :" الزِّيادة يجبُ أن تكُون من جنْسِ المزيد عليه "، فنقول : المزيد عليه إذا كان مقدراً بمقدار معيَّن، كانت الزِّيادةُ من جنسها، وإذا كان مقدراً بمقدار غير معيَّن، وجب أن تكون الزِّيادة مخالفة له، مثال الأول : قول الرَّجُل لغيره : أعطْتُك عشرة أمدادٍ من الحنطة وزيادة، فتكون تلك الزيادة من الحنطة، ومثال الثاني : قوله أعطيتك الحنطة وزيادة، فيجبُ أن تكون الزِّيادة غير الحنطة.
فلفظ :" الحُسْنَى " : وهي الجنَّة، مطلقة، وهي غير مقدَّرة بقدر معيَّن، فتكون الزِّيادة شيئاً مغايراً لما في الجنة.
٣٠٦


الصفحة التالية
Icon