جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٩
قوله - تعالى - ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ الآية.
هذه هي الحجَّة الثانية عليهم.
فإن قيل : القوم كانوا منكرين الإعادة، والحشر، والنشر، فكيف احتجَّ عليهم بذلك ؟ فالجواب : أنَّه - تعالى - قدَّم في هذه السورة ما يدلُّ عليه، وهو وجوب التمييز بين المُحْسِن والمُسيءِ، وهذه الدَّلالة دلالةٌ ظاهرةٌ قويَّة، لا يمكن للعاقل دفعها ؛ فلأجْلِ قُوَّتها، وظهورها تمسَّك بها، سواء الخَصْم عليها، أو لا.
فإن قيل : لِمَ أمر رسوله أن يعترف بذلك، والإلزام إنَّما يحصلُ لو ا عترف الخصمُ به ؟.
فالجوابُ : أنَّ الدَّليل لمَّا كان ظاهراً جليّاً، فإذا أورد على الخَصْم في معرض الاستفهام، كأنَّه بنفسه يقول : الأمر كذلك، فكان هذا تنبيهاً، على أنَّ هذا الكلام بلغ في الوُضوح، إلى حيث لا حاجة فيه إلى إقرار الخصم به، وأنَّه سواء أقرَّ، أو أنكَرَ، فالأمرُ متقرِّر ظاهرٌ.
قوله :﴿قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ : هذه الجملةُ جوابٌ لقوله :﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، وإنَّما أتى بالجواب جملة اسمية، مصرَّحاً يجزأيها، مُعَاداً فيها الخبر، مطابقاً لخبر اسم الاستفهام ؛ للتأكيد، والتَّثبيتِ، ولمَّا كان الاستفهام قبل هذا، لا مندوحة لهُم عن الاعتراف به، جاء الجملةُ محذوفاً منها أحدُ جزأيها، في قوله :﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس : ٣١]، ولم يَحْتَجْ إلى التَّأكيد بتصريح جزأيها.
فصل قال القرطبيُّ : ومعنى الآية :﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ينشئه من غير أصل، ولا سبق مثال :" ثُمَّ يُعِيدُهُ " : يُحْييه بعد الموت كهَيْئتِهِ، فإن أجابُوك، وإلاَّ فـ ﴿قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، ثم قال :﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي : تصرفون عن قصد السَّبيل، والمُراد : التَّعجُّب منهم في الدُّنْيَا من هذا الأمر الواضح الذي دعاهُم الهوى والتَّقليد إلى مخالفته ؛ لأنَّ الإخبار عن كون الأوثان آلهةً كذب، وإفكٌ الاشتغال بعبادتها، مع أنَّها لا تستحق العبادة أيضاً إفكٌ.
قوله تعالى :﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ﴾ الآية.
٣٢٣


الصفحة التالية
Icon