" صُدُورَهُم " بنزع الخافض، ويجُوزُ على ذلك أن يكون " صُدُورَهُم " رفعاً على البدل بدل البعض من الكُلِّ يعني بقوله : ولعلَّهُ فتح النُّونِ أي : ولعل ابن جبير قرأ ذلك بفتح نونِ " يُثْنَون " فيكون مبنياً للمفعول، وهو معنى قوله : وهذا ممَّا فعل بهم أي وجدوا كذلك، فعلى هذا يكونُ " صُدورهُم " منصُوباً بنزعِ الخافضِ، أي : في صدورهم، أي يوجدُ الثَّنْيُ في صدورهم، ولذلك جوَّز رفعهُ على البدل كقولك : ضُربَ زيدٌ الظَّهْرُ.
ومنْ جوَّز تعريف التمييز لا يبعدُ عنده أن ينتصب " صُدُورهُم " على التَّمييز بهذا التقدير الذي قدَّرهُ.
وقرأ ابنُ عبَّاسٍ، وعليُّ بنُ الحسين، وابناه زيد، ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر، وعبد الرحمن بن أبزى، وأبو الأسود " تَثنَوْني " مضارع " اثْنَوْنَى " على وزنِ " افْعَوْعَلَ " من الثَّنْي كاحْلَوْلى من الحَلاوةِ وهو بناءُ مبالغةٍ، " صُدُورهُم " بالرَّفع على الفاعلية.
ونُقل عن ابن عباس وابن يعمر ومجاهد وابن أبي إسحاق :" يَثْنَوْنَى صدورهم " بالياءِ والتَّاءِ ؛ لأنَّ التأنيث مجازيٌّ ؛ فجاز تذكيرُ الفعل باعتبار تأويل فاعله بالجمع وتأنيثه باعتبار تأويل فاعله بالجماعةِ.
وقرأ ابنُ عبَّاس أيضاً وعروة وابن أبزى والأعمش " تَثْنَوِنُّ " بفتح التاء وسكون الثَّاء وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون الأخيرة، والأصل :" تَثْنَوْنِنُ " بوزن " تَفْعَوْعِلُ " من الثِّنُّ وهو ما هشَّ وضعف من الكَلأ، يريد مطاوعة نوفسهم للثَّنْي كما يثنى الهَشُّ من النَّبات، أو أ راد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم.
و " صدورهم " بالرَّفع على الفاعلية.
وقرأ مجاهدٌ وعروة أيضاً كذلك، إلاَّ أنَّهما جعلا مكان الواو المسكورة همزة مكسورة فأخرجاها مثل " تطمئن ".
وفيها تخريجان : أحدهما : أنَّ الواو قُلبتْ همزة لاستثقال الكسرة عليها، ومثله إعاء وإشاح في وعاء ووشاح، لمَّا استثقلوا الكسرة على الواوِ أبدلوها همزة.
والثاني : أن وكنه " تَفْعَيِيلٌ " من الثِّن وهو ما ضعف من النَّبات كما تقدَّم، وذلك أنَّهُ مضارع لـ " اثْنَان " مثل احْمَارَّ واصفارَّ، وقد تقدَّم [يونس : ٢٤] أن من العرب من يقلبُ مثل هذه الألف همزة ؛ كقوله :[الطويل] ٢٩٤٣ -..........................
.................
بالعَبِيطِ ادْهَأمَّتِ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٣٤
٤٣٥
فجاء مضارع " اثْنَأنَّ " على ذلك كقولك احْمَأرَّ يَحمَئِرُّ كاطمأنَّ يَطْمَئِنُّ.
وأمَّا " صُدورُهم " فبالرَّفع على ما تقدَّم.
وقرأ الأعمش أيضاً تَثْنَؤُونَ بفتح الياء وسكون المثلثة وفتح النون وهمزة مضمومة و واوٍ ساكنةٍ بزنة تَفْعَلُون كَتَرْهَبُون.
صُدورَهُم بالنَّصْبِ.
قال صاحبُ اللَّوامِحِ : ولا أعرف وجهه يقال :" ثَنَيْتُ " ولم أسمعْ " ثَنَأتُ "، ويجوز أنَّهُ قلب الياء ألفاً على لغةِ من يقول :" أعْطات " في " أعْطَيْتُ "، ثُمَّ همز الألف على لغةِ من يقول :﴿ولا الضَّأْلين﴾ [الفاتحة : ٧].
وقرأ ابنُ عبَّاس أيضاً - رضي الله عنهما - " تَثْنَوِى " بفتح التَّاءِ وسكون المثلثة، وفتح النُّونِ وكسر الواو بعدها ياءٌ ساكنةٌ بزنة " تَرْعَوِى " وهي قراءةٌ مشكلة جداً حتَّى قال أبو حاتم : وهذه القراءة غلطٌ لا تتجه، وإنَّما قال إنَّها غلطٌ ؛ لأنَّه لا معنى للواوِ في هذا الفعل إذ لا يقالُ : ثَنَوْتُهُ فانْثَوَى كرعَوْتُه، أي : كففته فارعَوَى، أي : فانكفَّ، ووزنه افعلَّ كاحْمَر.
وقرأ نصرُ بنُ عاصمٍ وابنُ يعمر وابن أبي إسحاق " يَنْثُونَ " بتقديم النُّون السَّاكنة على المثلثة.
وقرأ ابنُ عباس أيضاً " لَتَثْنَونِ " بلام التأكيد في خبر " إنَّ " وفتح التَّاءِ وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو بعدها نونٌ مكسورةٌ وهي بزنة " تَفْعَوْعِلُ "، كما تقدَّم إلاَّ أنَّها حذفت الياء، التي هي لامُ الفعل تخفيفاً كقولهم : لا أدْرِ وما أدْرِ.
و " صُدورهم "، فاعل كما تقدم.
وقرأ طائفة :" تَثنؤنَّ " بفتح التَّاءِ ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم نُون مفتوحةٍ ثم همزة مضمومةٍ ثم نون مشددة، مثل تَقْرَؤنَّ، وهو مِنْ ثَنَيْتُ، إلاَّ أنَّه قلب الياءَ واواً ؛ لأنَّ الضمة تُنافِرُهَا، فجعلت الحركةُ على مُجانِسها، فصار اللفظُ " تَثْنَوونَ " ثم قلبت الواوُ المضمومةُ همزة كقولهم :" أجُوه " في " وُجُوه " و " أقِّتَتْ " في " وقِّتَت " فصار " تَثْنَؤونَ "، فلمَّا أكَّد الفعل بنونِ التَّوكيد حذفت نونُ الرَّفع فالتقى ساكنان : وهما واوُ الضمير والنون الأولى من نون التَّوكيد، فحذفت الواو وبقيت الضَّمةُ تدلُّ عليها ؛ فصار " تَثْنَؤنَّ " كما ترى و " صُدورَهُم " منصوب مفعولاً به فهذه إحدى عشرةَ قراءةً مضبوطة.
قوله تعالى :﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ فيه وجهان :
٤٣٦