وقيل : ولد على فراشه، قالوا : لقوله تعالى في امرأة نوح، وامرأة لوط ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم : ١٠].
قال ابن الخطيب : وهذا قول خبيثٌ يجب صون منصب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - عن هذه الفضيحةِ لا سيما هو على خلاف نصِّ القرآن.
وأمَّا قوله تعالى :﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم : ١٠] فليس فيه أنَّ تلك الخيانة كانت بالسَّبب الذي ذكروه.
قيل لابن عباس - رضي الله عنه - : كيف كانت تلك الخيانةُ، فقال : كانت امرأة نوح تقول : زَوْجي مجنونٌ، وامرأة لوط تدلُّ الناس على ضيفه، إذا نزلُوا به، ويدلُّ على فسادِ هذا القول قوله تعالى :﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ [النور : ٢٦] وقوله :﴿وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور : ٣].
قوله :﴿يا بُنَيَّ ارْكَبَ مَّعَنَا﴾ قرأ البزيُّ، وقالون، وخلاَّد بإظهار باء " ارْكَب " قبل ميم " مَنَعَنَا " والباقون بإدغامها في الميم، وقرأ عاصم هنا " يَا بُنَيَّ " بفتح الياء.
وأمَّا في غير هذه السُّورة فإنَّ حفصاً عنه فعل ذلك.
والباقون : بسكر الياء في جميع القرآن إلا ابن كثير ؛ فإنَّهُ في الأول من لقمان، وهو قوله :﴿يا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ [لقمان : ١٣] فإنَّه سكَّنهُ وصْلاً ووقْفاً، وفي الثاني كغيره أنَّهُ يكسر ياءه، وحفص على أصله من فتحه.
وفي الثالث وهو قوله :﴿يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ [لقمان : ١٧] اختلف عنه فروى البزي كحفصٍ، وروى عنه قنبل السُّكون كالأول.
هذا ضبط القراءة.
وأمَّا تخريجها فمن فتح فقيل : أصلها :" يَا بُنَيَّا " بالألف فحذفت الألفُ تخفيفاً، اجترأ عنها بالفتحةِ كما تقدَّم.
وقيل : بل حذفت لالتقاءِ الساكنين ؛ لأنَّهما وقع بعدها راءُ " ارْكَبْ " وهذا تعليلٌ فاسدٌ جدّاً، بدليل سقوطها في سورة لقمان في ثلاثة مواضع حيث لا ساكنان.
وكأنَّ هذا المُعلَّل لم يعلمْ بقراءةِ عاصم في غير هذه السورة، ولا بقراءة البزِّي في " لقمان "، وقد نقل ذلك أبو البقاءِ ولمْ ينكرهُ.
وكذلك قال الزمخشريُّ أيضاً.
وأمَّا من كسر فحذفت الياءُ أيضاً : إمَّا تخفيفاً وهو الصحيحُ، وإما لالتقاء الساكنين، وقد تقدَّم فسادهُ.
وأمَّا من سكَّن فلما رأى من الثِّقَلِ مع مطلق الحركةِ، ولا شكَّ أنَّ
٤٩٥
السُّكونَ من أخفِّ الحركاتِ، ولا يقالُ : فلمَ وافق ابنُ كثير غير حفص في ثاني لقمان، ووافق حفصاً في الأخيرة في رواية البزي عنه، وسكَّن الأول ؟ لأنَّ ذلك جمع بين اللغات، والمفرَّق آتٍ بمحالٍ.
وأصلُ هذه اللفظة بثلاث ياءات : الأولى للتَّصغير، والثانيةُ لامُ الكلمة، وهل هي ياءٌ بطريق الأصالةِ أو مبدلةٌ من واوٍ ؟ خلافٌ تقدَّم تحقيقُه أول الكتاب في لام " ابن " ما هي ؟ والثالثة ياءُ المتكلِّم مضافٌ إليها، وهي التي طرأ عليها القلبُ ألفاً ثم الحذفُ، أو الحذفُ وهي ياءٌ بحالها.
فصل لمَّا حكى عن نوح أنَّه دعا ابنه إلى رُكوبِ السَّفينة حكى عن ابنه أنَّهُ قال :﴿سَآوِى إِلَى جَبَلٍ﴾ سأصير وألتَجِىءُ إلى جبل ﴿يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ﴾ يمنعني من الغرقِ، وهذا يدل على أنَّ الابنَ كان مُصِرّاً على الكفر، فعند هذا قال نوحٌ :﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي : من عذابِ الله ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾.
وههنا سؤال : وهو أن الذي رحمه الله معصومٌ، فكيف يحسن استثناء المعصوم من العاصم ؟ والجواب من وجوه : الأول : أنَّهُ استثناءٌ منقطع، وذلك أن تجعل " عَاصماً " على حقيقته، و " مَنْ رَحِمَ " هو المعصوم، وفي " رَحِمَ " ضميرٌ مرفوعٌ يعودُ على الله تعالى، ومفعولهُ ضميرُ الموصولِ وهو " مَنْ " حذف لاستكمالِ الشروطِ، والتقديرُ : لا عاصم اليوم ألبتة من أمر الله، لكن من رحمه الله فهو معصوم.
الثاني : أن يكون المراد بـ " مَنْ رَحِمَ " هو الباري تعالى كأنه قيل : لا عاصم اليومَ إلاَّ الرَّاحمَ.
الثالث : أنَّ عاصماً بمعنى معصُوم، وفاعل قد يجيءُ بمعنى مفعول نحو :﴿مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق : ٦] أي : مَدْقُوق ؛ وأنشدوا :[المتقارب] ٢٩٧٥ - بَطِيءُ القيامِ رَخِيمُ الكَلاَ
مِ أمْسَى فُؤادِي بِهِ فَاتِنَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٨٠
أي : مَفْتُوناً، و " مَنْ " مرادٌ بها المعصومُ، والتقدير : لا معصوم اليوم من أمْرِ الله إلاَّ من رحمه الله فإنَّه يُعْصَمُ.
الرابع : أن يكون " عاصم " هنا بمعنى النَّسب، أي : ذا عِصْمَة نحو : لابن وتامر، وذو العصمة ينطلق على العاصم وعلى المعصوم، والمراد به هنا المعصوم.
٤٩٧


الصفحة التالية
Icon