قوله :﴿وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ﴾ في محلِّ نصب على الحالِ من مرفوع :" أرْسِلْنَا ".
وقال أبو البقاءِ : من ضمير الفاعل في " أرْسِلْنَا ".
وهي عبارةٌ غيرُ مشهورة، إذ مفعول مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ لا يطلقُ عليه فاعلٌ على المَشْهُورِ، وعلى الجملةِ فجعلها حالاً غير واضح بل هي استئناف إخبار، ويجوزُ جعلها حالاً من فاعل " قالُوا " أي : قالوا ذلك في حال قيام امرأته، وهي ابنة عم إبراهيم.
وقوله :" وَهِي قَائمةٌ " أي تخدمُ الأضياف ؛ وإبراهيم جالس معهم، يؤكد هذا التأويل قراءة ابن مسعود :" وامرأته قائمةٌ وهو قاعِدٌ ".
قوله :" فَضَحِكَتْ " العامَّةُ على كسر الحاء وقرأ محمد بن زياد الأعرابي - رجل من مكة - بفتحها وهي لغتان، يقال : ضَحِكَ وضَحَكَ، وقال المهدويُّ :" الفتح غير معروف "، والجمهورُ على أنَّ الضَّحكَ على بابِهِ.
واختلف المفسِّرون في سببه فقال القاضي : إنَّ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما خاف قالت الملائكة ﴿لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ فعظم سرورها بسبب سرورهِ، وفي مثل هذه الحالة قد يضحك الإنسان، فكان ضحكها بسبب قول الملائكة لإبراهيم " لا تَخَفْ " فكان كالبشارة فقيل لها : نجعل هذه البشارة أيضاً بحصول الولد الذي كنتم تطلبونه من أوَّلِ العُمر إلى هذا الزَّمان، وقيل : لمَّا كانت عظيمة الإنكار على قوم لوط لكفرهم وعملهم الخبيث، فلما أخبروا أنهم جاءوا لإهلاكهم، لحقها السُّرور، فضحكت.
وقيل : بشَّرُوها بحصول مطلق الولد فضَحِكَتْ إمَّا تعَجُّباً فإنَّهُ يقالُ : إنَّها كانت في ذلك الوقت بنت تسع وتسعين سنة وإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ابن مائة سنة، وإمَّا على سبيل السُّرور، ثم لمَّا ضحكت بشَّرها الله - تعالى - بأنَّ ذلك الولد هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب.
وقيل : إنَّها ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة نفر حال ما كان معه حشمه وخدمه.
وقيل : هذا على التقديم والتأخير تقديره : وامرأته قائمة فبشَّرناها بإسحاق، فضحكت سروراً بتلك البشارة، فقدَّم الضَّحكَ، ومعناه التَّأخير، يقالُ ضحكت الأرنب، بمعنى : حَاضَتْ.
وقال مجاهدٌ وعكرمة :" ضَحِكَتْ " بمعنى : حَاضَتْ.
وأنكره أبو عبيدة، وأبو عبيد، والفرَّاء.
٥٢٤
قال ابنُ الأنباري :" هذه اللُّغة إن لم يَعْرِفها هؤلاء فقد عرفها غيرهم، حكى اللُّيثُ - رحمه الله - في هذه الآية " فَضَحِكَتْ " طمثت، وحكى الأزهريُّ - عن بعضهم - أنَّ أصلهُ : من ضحاك الطَّلعةِ، يقال : ضَحِكَت الطلعة إذا انشقت، وأنشدوا :[المتقارب] ٢٩٩٠ - وضِحْكُ الأرَانبِ فَوْقَ الصَّفَا
كَمِثْلِ دَمِ الجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٩
وقال آخر :[الطويل] ٢٩٩١ - وعَهْدِي بِسَلْمَى ضَاحِكاً في لُبانةٍ
ولَمْ يَعْدُ حقّاً ثَدْيُهَا أن تُحَلَّمَا
أي : حَائِضاً.
وضَحِكت الكافُورَةُ : تَشَقَّقَتْ.
وضَحِكَت الشَّجَرةُ : سَالَ صَمْغُهَا، وضَحِكَ الحَوْضُ : امتلأ وفاض وظاهرُ كلام أبي البقاءِ أن " ضَحَكَ " بالفتح مختصٌّ بالحيْضِ فإنَّه قال :" بِمَعْنَى حَاضَتْ يقال : ضَحَكَت الأرنب بفتح الحَاء ".
قوله :﴿وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ قرأ ابنُ عامر وحمزة وحفص عن عاصم بفتح الباء، والباقون برفعها.
فأمَّا القراءةُ الأولى فاختلفوا فيها، هل الفتحةُ علامةُ نصبٍ أو علامة جرٍّ ؟ والقائلون بأنَّها علامةُ نصب اختلفوا، فقيل : هو منصوبٌ عطفاً على قوله :" إسْحَاق ".
قال الزمخشريُّ : كأنَّهُ قيل : وَوَهَبْنَا لهُ إسحاقَ، ومنْ وراءِ إسْحَاق يعقوب على طريقة قوله :[الطويل] ٢٩٩٢ - مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحينَ عَشِيرَةً
ولا نَاعبٍ.............................
يعنى أنَّهُ عطف على التَّوهم فنصب، كما عطف الشَّاعرُ على توهُّم وجود الباء في خبر " ليس " فجرَّ، ولكنه لا ينقاس.
وقيل : منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، أي : وَوَهَبْنَا يعقوب وهو على هذا غيرُ داخلٍ في البشارة ورجَّحه الفارسي.
وقيل : هو منصوبٌ عطفاً على محلِّ " بإسحاقَ " ؛ لأنَّ موضعهُ نصب كقوله :" وَأَرْجُلَكُمْ " بالنصب عطفاً على ﴿بِرُؤُوسِكُمْ﴾ [المائدة : ٦].
والفرقُ بين هذا والوجه الأول : أنَّ الأول ضمَّن الفعل معنى :" وَهَبْنَا " توهُّماً، وهنا
٥٢٥


الصفحة التالية
Icon