باقٍ على مدلوله من غير توهُّم.
ومن قال بأنه مجرورٌ جعله عطفاً على " بإسحاقَ " والمعنى : أنَّها بُشِّرت بهما.
وفي هذا الوجه والذي قبله بحثٌ : وهو الفَضْلُ بالظَّرْفِ بين حرف العطف، والمعطوف، وقد تقدَّم ذلك مستوفى في النِّساءِ.
ونسب مكي الخفض للكسائي ثم قال :" وهو ضعيفٌ إلاَّ بإعادة الخافض ؛ لأنَّك فصلت بين الجار والمجرور بالظَّرف ".
قوله :" بإعادة الخافض " ليس ذلك لازماً، إذ لو قدِّم ولم يفصلْ لم يلتَزِم الإتيان به.
وأمَّا قراءةُ الرَّفْع ففيها أوجه : أحدها : أنَّه مبتدأ وخبره الظَّرف السَّابق فقدره الزمخشريُّ " موجود أو مولود " وقدَّره غيره بـ : كائن ولمَّا حكى النَّحاسُ هذا قال :" الجملة حالٌ داخلةٌ في البشارة أيك فبشَّرناها بإسحاق مُتَّصلاً به يعقُوبُ ".
والثاني : أنَّه مرفوعٌ على الفاعلية بالجارِّ قبله، وهذا يجيء على رأي الأخفش.
والثالث : أن يرتفع بإضمارِ فعلٍ أي : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب، ولا مدخل له في البشارة.
والرابع : أنه مرفوعٌ على القَطْع يَعْنُونَ الاستئناف، وهو راجعٌ لأحَدِ ما تقدَّم من كونه مبتدأ وخبراً، أو فاعلاً بالجارِّ بعدهُ، أو بفعل مقدر.
وفي لفظ " وَرَاء " قولان : أظهرهما : وهو قولُ الأكثرين أنَّ معناه " بَعْد " أي : بعد إسحاق يعقوب ولا مدخل له في البشارة.
والثاني : أنَّ الوراء : ولد الولد.
فصل ذكر المفسِّرون أنَّ " إسحاق " ولدَ ولأبيه مائة سنة بعد أخيه إسماعيل بأربع عشرة سنة وكان عمر أمه سارة حين بُشِّرَتْ به تسعين سنة.
وذكر أهلُ الكتاب أنَّ إسحاق لمَّا تزوج ربقة بنت شاويل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة، وأنَّها كانت عَاقِراً فدعا الله لها فحملتْ فولدت غلامين تَوْءَمَيْنِ ؛ أولهما سمَّوهُ عيصو، وتسمية العرب " العِيصَ " وهو والدُ الرُّوم الثانية، والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسمَّوهُ يعقوب، وهو إسرائيل الذي ينسبُ إليه بنو إسرائيل.
قوله :﴿قَالَتْ يا وَيْلَتَا﴾ الظَّاهرُ كون الألف بدلاً من ياء المتكلم ولذلك أمالها أبو عمرو وعاصم في روايةٍ، وبها قرأ الحسن " يَا وَيْلَتِي " بصريح الياء.
وقيل : هي ألف
٥٢٦
الندبة، ويوقفُ عليها بهاء السَّكْتِ.
وكذلك الألف في " يَا وَيْلَتَا " و " يَا عَجَبَا ".
قال القفال - رحمه الله - : أصلُ الوَيْل هو الخِزْيُ، ويقال : وَيلٌ لفلان، أي الخزي والهلاك.
[قال سيبويه :" وَيْح " زجر لمنْ أشرف على الهلاكِ، و " وَيْل " ] لمن وقع فيه.
قال الخليلُ : ولَمْ أسْمَعْ على مثاله إلاَّ " وَيْح "، و " وَيْد "، و " وَيْه "، وهذه كلمات متقاربة في المعنى.
قوله :" أَأَلِدُ " قرأ ابنُ كثير ونافع وأبو عمر " آلد " بهمزة ومدة، والبقاون : بهمزتين بلا مدٍّ وقوله :﴿وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـاذَا بَعْلِي شَيْخاً﴾ الجملتان في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعل " ألِدُ " أي : كيف تقعُ الولادة في هاتينِ الحالتين المنافيتين لها ؟.
والجمهورُ على نصب " شَيْخاً " وفيه وجهان : المشهورُ أنَّهُ حالٌ، والعاملُ فيه : إمَّا التَّنْبيهُ وإما الإشارةُ.
وإمَّا كلاهما.
والثاني : أنه منصوبٌ على خبر التَّقريب عند الكوفيين، وهذه الحالُ لازمةٌ عند من لا يَجْهَل الخبر، وأمَّا من جهله فهي غير لازمة.
وقرأ ابنُ مسعُود والأعمش وكذلك في مصحف ابن مسعود " شَيْخٌ " بالرَّفْع، وذكروا فيه أوجهاً : إمَّا خبرٌ بعد خبر، أو خبران في معنى خبر واحد نحو : هذا حلو حامض، أو خبر " هَذَا " و " بَعْلي " بيانٌ، أو بدلٌ، أو " شيخٌ " بدلٌ من " بَعْلي "، أو " بَعْلِي " مبتدأ و " شَيْخٌ " خبره، والجملة خبر الأول، أو " شَيْخٌ " خبر مبتدأ مضمر أي : هو شيخٌ.
والشَّيْخُ يقابله عجوزٌ، ويقال : شَيْخَة قليلاً ؛ كقوله :[الطويل] ٢٩٩٣ - وتَضْحَكُ مِنِّ] شَيْخَةٌ عَبْشمِيَّةٌ
.................................
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥١٩
وله جموعٌ كثيرة، فالصَّريحُ منها : أشياخ وشُيُوخ وشِيخان، وشِيخَة عند من يرى أنَّ فعلة جمعٌ لا اسم جمع كغِلْمَة وفِتْيَة.
ومن أسماءِ جمعه : مَشِيخَة وشِيَخَة ومَشْيُوخاً.
وبَعْلُهَا : زوجها، سُمِّي بذلك لأنَّهُ قيِّمُ أمرها.
قال الواحدي : وهذا من لَطِيفِ النَّحو وغامضه فإنَّ كلمة " هذا " للإشارة، فكان قوله ﴿وَهَـاذَا بَعْلِي شَيْخاً﴾ قائمٌ مقام أن يقال : أشير إلى بَعْلِي حال كونه شَيْخاً.
والمقصُودُ : تعريف هذه الحالة المخصوصة وهي الشَّيْخُوخة.
٥٢٧


الصفحة التالية
Icon