فإن قيل : ظاهرُ قوله :﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ يقتضي كون عملهم طاهراً، ومعلوم أنَّهُ فاسدٌ ؛ ولأنه لا طهارة في نكاح الرَّجُل.
فالجوابُ : هذا جارٍ مجرى قولنا : الله أكبرُ، والمرادُ : أنَّهُ كبيرٌ، وكقوله :﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ [الصافات : ٦٢] ولا خير فيها، ولمَّا قال أبو سفيان يوم أحد اعْلُ هُبَلُ اعلُ هُبَلُ، قال النبيُّ ﷺ أعلى وأجلُّ ولا مقاربة بين الله والصنم.
قوله :﴿وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ قرأ أبُو عمرو ونافع بإثبات ياء الإضافة في " تُخْزُونِ " على الأصل والباقون بحذفها للتخفيف ودلالة الكسر عليها.
والضَّيفُ في الأصل مصدرٌ كقولك : رجالٌ صومٌ، ثم أطلق على الطَّارق لميلانه إلى المُضِيف، ولذلك يقعُ على المفردِ والمذكر وضدِّيهما بلفظٍ واحدٍ، وقد يثنى فيقال : ضيفان، ويجمع فيقال : أضياف وضُيُوف كأبيات وبُيُوت وضيفان كحوض وحِيضان.
والضَّيف قائمٌ هنا مقام الأضياف، كما قام الطفل مقام الأطفال في قوله :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ﴾ [النور : ٣٢].
فصل قال ابنُ عباسٍ : المرادُ : خافوا الله، ولا تفضحوني في أضيافي، يريد : أنَّهُم إذا هجمُوا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحةُ.
وقيل : معناه لا تخجلوني فيهم ؛ لأنَّ مضيف الضَّيْفِ يلحقهُ الخجلُ من كُلِّ فعل قبيحٍ يتوجه إلى الضَّيف، يقال : خزي الرجل إذا استحيا.
ثم قال :﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ أي : صالح سديدٌ يقول الحق، ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي.
وقال عكرمةُ : رجل يقول : لا إله إلاَّ الله.
وقال ابن إسحاق : رجل يأمُرُ بالمعروفِ، وينهى عن المنكر.
﴿قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يا لوطُ ﴿مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾، أي : لسن أزواجاً لنا فنستحقهنّ بالنكاح.
قيل : ما لنا في بناتك من حاجةٍ، ولا شهوةٍ.
وقيل :﴿مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان، ونحنُ لا نجيبك إلى ذلك، فلا يكون لنا فيهن حقٌّ.
٥٣٤
قوله :" مِنْ حقٍّ " يجوز أن يكون مبتدأ، والجارُّ خبره، وأن يكون فاعلاً بالجارِّ قبله لاعتماده على نفي، و " مِنْ " مزيدةٌ على كلا القولين.
قوله :" ما نُرِيدُ " يجُوزُ أن تكون " ما " مصدرية، وأن تكون موصولة بمعنى " الَّذي ".
والعلم عرفانٌ ؛ فلذلك يتعدَّى لواحدٍ أي : لتعرف إرادتنا، أو الذي نريده.
ويجوزُ أن تكون " ما " استفهامية، وهي معلقة للعلم قبلها.
والمعنى : إنك لتعلم ما نريد من إتيان الرِّجال.
قوله :" لَوْ أنَّ " جوابها محذوفٌ تقديره : لفعلتُ بكم وصنعتُ كقوله :﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ﴾ [الرعد : ٣١] قوله :" أَوْ آوِي " يجوز أن يكون معطوفاً على المعنى، تقديره : أو أنِّي آوي، قاله أبُو البقاءِ ويجوزُ أن يكون معطوفاً على " قُوَّةً " ؛ لأنه منصوبٌ في الأصل بإضمارِ أن فلمَّا حذفت " أنْ " رفع الفعلُ كقوله تعالى :﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ﴾ [الروم : ٢٤].
واستضعف أبو البقاءِ هذا الوجه بعدم نصبه.
وقد تقدَّم جوابه.
ويدلُّ على اعتبار ذلك قراءةُ شيبة، وأبي جعفر :" أوْ آوِيَ " بالنصب كقوله :[الطويل] ٣٠٠٢ - ولوْلاَ رجالٌ منْ رِزَامٍ أعِزَّةٍ
وآلُ سُبَيْعٍ أو أسُوءكَ عَلْقَمَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٣١
وقولها :[الوافر] ٣٠٠٣ - للُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي
أحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ
ويجوز أن يكون عطف هذه الجملةِ الفعلية على مثلها إن قدَّرت أنَّ " أنَّ " مرفوعة بفعل مقدرٍ بعد " لَوْ " عند المبرد، والتقدير : ول يستقر - أو يثبت - استقرار القوة أوْ آوي، ويكون هذان الفعلان ماضيي المعنى ؛ لأنَّهما تقلب المضارع إلى المُضيِّ.
وأمَّا على رأي سيبويه في كون أنَّ " أنَّ " في محلِّ الابتداء، فيكون هذا مستأنفاً.
وقيل :" أوْ " بمعنى " بل " وهذا عند الكوفيين.
و " بِكُمْ " متعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه حالٌ من " قُوَّة "، إذ هو في الأصلِ صفةٌ للنكرة، ولا يجوزُ أن يتعلق بـ " قُوَّةً " لأنها مصدرٌ.
والرُّكْنُ بسكون الكافِ وضمها الناحية من جبلٍ وغيره، ويجمع على أركان وأرْكُن ؛ قال :[الرجز]
٣٠٠٤ - وَزَحْمُ رُكْنَيْكَ شَدِيدُ الأرْكُنِ

فصل


٥٣٥


الصفحة التالية
Icon