إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود : ٧٠] فدل على أنَّهم أمروا بالذهاب إلى قوم لوط بإيصال العذاب إليهم.
فإن قيل : لو كان كذلك، لقال :" فلما جاء أمرنا، جعلوا عاليها سافلها "، لأن الفعل صدر عن المأمور.
فالجواب : أن فعل العبد فعل الله تعالى، وأيضاً : فالذي وقع إنَّما وقع بأمْر الله، وبأقداره، فلا يمتنع إضافته إلى الله تعالى ؛ فكما يحسُنُ إضافتهُ إلى المباشرين، يحسنُ إضافته إلى المسَبِّب.
قوله :﴿عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ مفعولا الجعل الذي بمعنى التَّصْيير، و " سِجِّيلٍ " قيل : هو في الأصل مركَّب من " سنك وكل " وهو بالفارسيَّة حجر وطين فعُرِّب، وغُيِّرت حروفهُ، كما عرَّبُوا الدِّيباج والدِّ]وان والاستبرق.
وقيل :" سِجِّيل " اسمٌ للسَّماء، وهو ضعيفٌ أو غلطٌ، لوصفه بـ " مَنْضُودٍ ".
وقيل : من أسْجَلَ، أي : أرسل فيكون " فِعِّيلاً "، وقيل : هو من التسجيل، والمعنى : أنه ممَّا كتب الله وأسجل أن يُعذَّب به قوم لوط، وينصرُ الأول تفسيرُ ابن عبَّاسٍ أنَّهُ حجرٌ وطين كالآجر المطبوخ وعن أبي عبيدة هو الحجر الصُّلب.
وقيل :" سِجِّيل " موضع الحجارةِ، وهي جبالٌ مخصوصة.
قال تعالى :﴿مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ [النور : ٤٣].
قال الحسن : كان أصل الحجر هو الطين فشددت.
و " مَنضُودٍ " صفةٌ لـ " سِجِّيلٍ ".
والنَّضد : جعلُ بعضهُ فوق بعضٍ، ومنه ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ [الواقعة : ٢٩] أي : متراكب، والمراد وصفُ الحجارة بالكثرة.
" مُسَوَّمَةً " نعتٌ لـ " حِجَارة "، و حينئذ يلزمُ تقدُّمُ الوصف غير الصَّريح على الصَّريح لأنَّ " مِنْ سِجِّيل " صفةٌ لـ " حِجَارة "، والأولى أن يجعل حالاً من " حِجَارة "، وسوَّغ مجيئها من النكرة تخصُّص النكرة بالوصف.
والتَّسْويم : العلامةُ.
قيل : عُلِّم على كُلِّ حجرٍ اسمُ من يرمي به وتقدَّم اشتقاقُه في آل عمران [١٤] في قوله :﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ وقال الحسنُ والسديُّ : كان عليها أمثال الخواتيم.
قال أبو صالحٍ : رأيتُ منها عند أم هانىء، وهي حجارة فيها خطوط حمرٌ على هيئة الجَزْع.
وقال ابنُ جريجٍ : كان عليها سيماء لا تشبه حجارة الأرض.
و " عِنْدَ " إمَّا منصوبٌ بـ " مُسَوَّمَةً "، وإمَّا بمحذوفٍ على أنَّها صفةٌ لـ " مُسَوَّمَةً ".
وقله :" ومَا هِيَ " الظَّاهرُ عودُ هذا الضمير على القرى المهلكة.
وقيل : يعودُ على الحِجَارة وهي أقربُ مذكور.
وقيل : يعودُ على العُقوبةِ المفهومة من السِّياقِ، ولَمْ يُؤنِّثْ
٥٤١
" بِبَعيدٍ " إمَّا لأنَّهُ في الأصل نعتٌ لمكانٍ محذوف تقديره : وما هي بمكانٍ بعيدٍ بل هو قريبٌ، والمرادُ به السَّماء أو القُرَى المهلكة، أي : وما تلك القرى المهلكة من كفَّار مكة - ببعيدٍ ؛ لأنَّ تلك القرى في الشَّام، وهي قريب من مكَّة، وإمَّا لأنَّ العقوبة والعقاب واحدٌ، وإمَّا لتأويل الحجارة بعذابٍ أو بشيءٍ بعيدٍ، والمراد بالآية كفار مكة، أي أنه تعالى يرميهم بهذه الحجارة.
قال أنس بن مالك سأل رسول الله ﷺ جبريل عن هذا فقال :" مَا مِنْ ظالمٍ إلاَّ وهو بمعرض حجرِ يسقطُ عليه من ساعةٍ إلى ساعةٍ ".
وقال قتادةُ وعكرمةُ : يعنى ظالمي هذه الأمة، والله ما أجار اللهُ منها ظالماً.
روي : أنَّ الحجر اتَّبع شُذَّاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلادِ، ودخل رجلٌ منهم الحرم، فكان الحجرُ معلقاً بين السَّماء والأرض أربعين يوماً حتى خرج ؛ فأصابه فأهلكه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٣١