يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنَّة ما لا انقطاع له.
قال أبو حيَّان : ما ذكره في أهل النّارِ قد يتمشَّى ؛ لأنَّهم يخرجون من النَّارِ إلى الزَّمهرير فيصيح الاستثناء، وأمَّا أهلُ الجن!ة، فلا يخرجون من الجنَّة، فلا يصحُّ فيهم الاستثناء.
قال شهاب الدين : والظَّاهرُ أنَّهُ لا يصحُ فيهما ؛ لأنَّ أهل النَّارِ مع كونهم يُعذَّبُون بالزَّمهرير هم في النَّار أيضاً.
وثالثها : أنَّه استثناء من الزَّمان الدَّال عليه قوله :﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾.
والمعنى : إلاَّ الزمان الذي شاء الله فلا يُخَلَّدون فيها.
ورابعها : إنه استثناءٌ من الضمير المستتر في الجارِّ والمجرورِ، وهو قوله :" فَفِي النَّارِ " و " فَفِي الجنَّة " لأنه لمَّا وقع خبراً تحمَّل ضمير المبتدأ.
وخامسها : أنه استثناء من الضَّمير المستتر في الحالِ وهو :﴿خَالِدِينَ﴾، وعلى هذين القولين تكون " ما " واقعةً على من يعقل عند من يرى ذلك، أو على أنواع من يعقلُ كقوله :﴿مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣] والمرادُ بـ " مَا " حينئذٍ العصاةُ من المؤمنين في طرف أهل النار، وأمَّا في طرف أهل الجنَّة فيجوز أن يكونوا هم، أو أصحابُ الأعراف ؛ لأنهم لم يدخلُوا الجنَّة لأولِ وهلةٍ، ولا خُلِّدُوا فيها خلودَ من دخلها أولاً.
وسادسها : قال ابنُ عطيَّة : قيل : إنَّ ذلك على طريق الاستثناء الذي ندبَ الشَّارعُ إلى استعماله في كُلِّ كلامٍ، فهو كقوله :﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح : ٢٧] استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشَّرط، كأنه قال : إن شاء الله ؛ فليس يحتاج أن يوصف بمتَّصلٍ، ولا منقطع.
وسابعها : هو استثناءٌ من طول المُدَّةِ، ويروى عن ابن مسعدٍ وغيره أنَّ جهنم تخلُوا من النَّاس وتخفق أبوابها فذلك قوله تعالى :﴿إِلاَّ مَا شَآءَ﴾ وهذا مردُودٌ بظواهر الكتاب والسُّنة، وما ذكر عن ابن مسعودٍ فتأوليه : أنَّ جهنَّم في الدَّرك الأعلى، وهي تخلون العصاة المؤمنين، هذا على تقدير صحَّة ما نُقِل عن ابنِ مسعُودٍ.
وثامنها : أنَّ " إلاَّ " حرفُ عطفٍ بمعنى الواو، والمعنى : وما شاء ربُّكَ زائداً على ذلك.
وتاسعها : أنَّ الاستثناء منقطعٌ، فيقدَّرُ بـ " لكن " أو بـ " سوى "، ونظروه بقولك :" لي عليك ألفا درهم، إلاَّ الألف التي كنت أسلفتك " أي : سوى تلك، فكأنه قالك خالدينَ فيها ما دامتِ السمواتُ والأرضُ سوى ما شاء ربُّك زائداً على ذلك.
وقيل : سوى ما أعدَّ لهم من عذابٍ غير عذابِ النار كالزمخرير ونحوه.
عاشرها : أنه استثناءٌ من مدَّة السموات والأرض التي فرضت لهم في الحياة الدنيا.
٥٧١