قال :" قوله :" بَدْءاً " أي : سيّداً وبدءُ القوم سيِّدهم، وبدءُ الجزُور خيرُ أنْصِبَائِهَا ".
قال : وقوله :" ولمَّا " أي : ولمّا أكُنْ سيِّداً إلاَّ حين ماتُوا، فإنِّي سدتُ بعدهم ؛ كقول الآخر :[الكامل] ٣٠٣٦ - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّد
ومن العناءِ تفرُّدِى بالسُّؤدُدِ
ما نِلْتُ ما قَدْ نِلْلتُ إلاَّ بَعْدَمَا
ذَهَبَ الكِرامُ وسَادَ عَيْرُ السَّيِّد
قال ونظير السُّكُوتِ على " لمَّا " دون فعلها السكُّوتُ على " قَدْ " دون فعلها في قول النابغة :[الكامل] ٣٠٣٧ - أفِدَ التًّرَحُّلُ.........
......................
قال شهابُ الدِّين : وهذا الوجهُ لا خصوصية لهُ بهذا القراءة، بل يَجِيءُ في قراءة من شدَّد " لمَّا " سواءً شدَّد " إن " أو خففها.
٥٨٤
وأمَّا قراءةُ أبي عمرو، والكسائي فواضحةٌ جدًّا، فإنَّها " إنَّ " المشدَّدة عملت عملها، واللاَّم الأولى لام الابتداء الدَّاخلة على خبر " إنَّ "، والثانية جواب قسم محذوف، أي : وإنَّ كلاًّ للذين والله ليوفِّينَّهُم، وقد تقدَّم وقوعُ " ما " على العُقلاء ؟ ِ مُقرَّرا، ونظيرُ هذه الآية :﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء : ٧٢] غير أنَّ اللاَّم في " لمنْ " داخلةٌ على الاسم، وفي " لمَّا " داخلة على الخبر.
وقال بعضهم :" مَا " هذه زئادةٌ زيدت للفصل بين اللامين، لام التَّوكيد، ولام القسم، وقيل : اللاَّم ُ في " لمَّا " موطئة للقسم مثل اللاَّم في قوله تعالى :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر : ٦٥] والمعنى : وإنَّ جميعهم واللَّه ليُوفِّينَّهُم ربُّك أعمالهُم من حُسْنٍ وقُبْحٍ وإيمانٍ وجحودٍ.
وقال الفرَّاء عند ذكر هذه الآية - : جَعَلَ " مَا " اسماً للنَّاس كما جاز ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣] ثم جعل اللاَّم التيفيها جواباً لـ " إنَّ " وجعل اللاَّم التي في " ليُوفِّينَّهُمْ " لاماً دخلت على نيَّةِ يمينٍ فيما بين " مَا " وصلتها، كما تقول : هذا من ليَذْهبنَّ، وعندي ما لغيرهُ خيرُ منه، ومثله :﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء : ٧٢].
ثم قال بعد ذلك ما يدلُّ على أنَّ اللاَّم مكررةٌ فقال : إذا عجَّلت العربُ باللاَّم في غير موضعها أعادوها إليه، نحو : إنَّ زيداً لإليك لمُحْسِنٌ ؛ ومثله :[الطويل] ٣٠٣٨ - ولَوْ أنَّ قَوْمِي لمْ يكُونُوا أعِزَّة
لبَعْدُ لقَدْ لا قَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعَا
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٧٥
قال : أدخلها في " بَعْد " وليس بموضعها، وسمعت أبا الجرَّاحِ يقولُ :" إنِّي ليحمد الله لصالحٌ ".
وقال الفارسيُّ - في توجيه القراءة - :" وجهُهَا بيِّن وهو أنَّه نصب " كُلاًّ " بـ " إنَّ " وأدخل لام الابتداء في الخبر، وقد دخلت في الخبرِ لامٌ أخرى، وهي التي يُتلقَّى بها القسم، وتختصُّ بالدُّخُول على الفعل، فلمَّا اجتمعت اللاَّمان فُصِل بينهما كما فُصِل بين " إنَّ " واللاَّم فدخلتها وإن كانت زائدة للفصل، ومثله في الكلام : إن زيداً لينطلقنَّ ".
فهذا ما تلخَّص من توجيهات هذه القراءات الأربع، وقد طعن بعضُ النَّاس في بعضها بِمَا لا تحقق له، فلا ينبغي أن يلتفت إلى كلامه.
قال المبردُ - وهي جرأةٌ منه - " هذا لحنٌ " يعين تشديد " لمَّا " قال :" لأنَّ العرب لا تقول : إنَّ زيداً لمَّا
٥٨٥