خارجٌ " وهو مردودٌ عليه.
قال أبو حيان : وليس تركيبُ الآية كتركيب المثال الذي قال وهو : إنَّ زيداً لمَّا خارج، هذا المثالُ لحنٌ.
قال شهابُ الدِّين : إن عنى أنَّهُ ليس مثله في التركيب من كل وجه فمُسلَّم، ولكن ذلك لا يفيدُ فيما نحن تصدده، وإن عنى أنه ليس مثله في كونه دخلت " لمَّا " المشددة على خبر " إنَّ " فليس كذلك، بل هو مثلُه في ذلك، فتسليمُهُ اللَّحْنَ في المثال المذكور ليس بصوابٍ ؛ لأنه يستلزم ما لا يجوز أن يقال.
وقال أبو جعفرٍ : القراءةُ بتشديدهما عند أكثر النَّحويين لحنٌ، حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : إنَّ هذا لا يجوز، ولا يقال : إنَّ زيداً إلا لأضربنَّه، ولا " لمَّا لأضربنَّه " قال : وقال الكسائي :" اللَّه أعلم لا أعرف لهذه القراءة وجهاً " وقد تقدم ذلك، وقتدم أيضاً أنَّ الفرسي قال : كما لا يحسن : إنَّ زيداً إلاَّ لمنطلق ؛ لأنَّ " إلاَّ " إيجاب بعد نفي، ولم يتقدَّم هنا إلاَّ إيجابٌ مؤكَّد، فكذا لا يحسن : إنَّ زيداً لما منطلق، لأنه بمعناه، وإنَّما ساغ نشدتك بالله لمَّا فعلت...
إلى آخر كلامه.
وهذه أقوالٌ مرغوبٌ عنها ؛ لأنَّها معارضة للمتواتر القطعي.
وأمَّا القراءات الشَّاذة فأوَّلها قراءةُ أبي ومن تبعه " وإنْ كلٌّ لمَّا " بتخفيف " إنْ " ورفع " كل " على أنَّها " إن " النافية " وكل " مبتدأ، و " لمَّا " مشددة بمعنى " إلاَّ "، و " ليُوفِّينَّهُم " جوابُ قسمٍ حذوف، وذلك القسم وجوابه خبر المبتدأ وهي قراءةٌ جليَّة واضحةٌ كما قرؤوا كلُّهّم ﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ﴾ [يس : ٣٢] ومثله ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ﴾ [الزخرف : ٣٥]، ولا التفاتَ إلى قول من نفى أنَّ " لمَّا " بمنزلةِ " إلاَّ " فقد تقدَّمت أدلته.
وأما قراءةُ اليزيدي وابن أرقم " لمَّا " بالتشديد منونة فـ " لمَّا " فيها مصدرٌ من قولهم :" لمَمْتُه - أي : جمعته - لمَّا " ومنه قوله تعالى :﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً﴾ [الفجر : ١٩] ثم في تخريجه وجهان : أحدهما : ما قاله أبو الفتح، وهو أن يكون منصوباً بقوله :" ليُوفِّينَّهُمْ " على حدِّ قولهم : قياماً لأقومنَّ ؛ وقعوداً لأقَعدنَّ، والتقديرُ : توفيةً جامعةً لأعمالهم ليوفينهم، يعني أنه منصوبٌ على المصدر الملاقي لعامله في المعنى دون الاشتقاق.
والثاني : ما قالهُ أبو علي الفارسي وهو : أن يكون وصفاً لـ " كُلّ " وصفاً بالمصدر مبالغة، وعلى هذا فيجبُ أن يقدَّر المضافُ إليه " كل " نكرةً، ليصحَّ وصفُ " كل " بالنَّكرةِ، إذْ لو قُدِّر المضافُ معرفة لتعرَّفتْ " كل "، ولو تعرَّفت لامتنع وصفُها بالنَّكرةِ، فلذلك قُدِّر المضافُ إليه نكرة، ونظيره قوله تعالى :﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً﴾ [الفجر : ١٩]فوقع " لمَّا " نعتاً لـ " أكْلاً " وهو نكرةٌ.
قال أبو علي : ولا يجوز أن يكون حالاً ؛ لأنه لا شيء في الكلام عاملٌ في الحالِ.
وظاهرُ عبارة الزمخشري أنَّهُ تأكيدٌ تابعٌ لـ " كلاًّ " كما يتبعها أجمعون، أو أنَّهُ منصوبٌ على النَّعت لـ " كُلاًّ " فإنه قال :" وإنْ كلاًّ لمًّا ليُوفِينَّهُمْ " كقوله :" أكْلاً لمًّا " والمعنى : وإن كلاًّ ملمومين بمعنى : مجموعين، كأنه قيل : وإن كلاًّ جميعاً كقوله تعالى :{فَسَجَدَ الْمَلا اائِكَةُ
٥٨٦