سكن راءها ضرورة ؛ فيجوزُ أن يكون العربي منسُوباً إلى هذه البقعة.
فصل احتج الجُبَّائيُّ بهذه الآية : على كون القرآن مخلوقاً، لقوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ﴾ والقديم لا يجوزُ إنزالهُ وتحويله من حالٍ إلى حالٍ ؛ ولأنَّه ـ تعالى ـ وصفهُ بكونه :" عَرَبيًّا " والقديم لا يكون عربيًّا ؛ ولأنَّ قوله ـ تعالى ـ ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ يدلُّ على أنَّه سبحانه وتعالى ـ قادرٌ على أن ينزله لا عربيًّا ؛ ولأنَّ قوله :﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ يدلُّ على أنَّه مركبٌ من الآيات والكلمات، والمركَّبُ محدثٌ.
قال ابن الخطيب :" والجواب عن هذه الوجوه أن نقول : المركَّب من الحروف والكلمات محدثٌن وذلك لا نزاع فيه، إنَّما الذي ندَّعي قدمه شيء آخر، فسقط هذا الاستدلال ".
قوله :﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ : قال الجبائي :" كلمة " لعَلَّ " نحملها على اللاَّم، والتقدير : إنَّا أنزلناهُ قُرآناً عربيًّا لتعقلُوا معانيه في أمْر الدِّين، إذ لايجوز أن يراد بـ " لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " : الشَّكح لأنَّه على الله ـ تعالى ـ محالٌ، فثبت أنَّ المراد : لكي تعرفوا الأدلَّة، وذلك يدلُّ على أنَّهُ ـ سبحانه وتعالى ت أراد من كلِّ العباد أن يعقلوا توحيده، وأمر دينه، من عرف منهم، ومن لم يعرف ".
قال ابن الخطيب :" والجواب : هَبْ أنَّ الأمْر كمَا ذَكْرتُمْ، إلاَّ أنَّهُ يدلُّ على أنه ـ تعالى ـ أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفيَّة هذه القصَّة، لكن لِمَ قلتم : إنَّها تدلُّ على أنه ـ تعالى ـ أراد من الكُلِّ الإيمان والعمل الصالح " ؟.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣
قوله تعالى :﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ الآية.
﴿نَحْنُ نَقُصُّ﴾ : مبتدأ وخبر، والقاصُّك الذي يتتبَّعُ الآثار ويأتي بالخبر على وجهه، قال تعالى :﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص : ١١]، أي : أتَّبعي أثره، ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً﴾ [الكهف : ٦٤]، أي اتِّباعاًنن وسميت الحكايةَ قصصاً ؛ لأنَّ الذي يقصُّ الحديث، يذكرُ تلك القصَّة شيئاً فشيئاً، كما يقال : تلا القرآنَ إذا قرأهُ ؛ لأنَّه يتلُو، أي : يتبعُ ما حَفِظَ مِنهُ آيةً بعد آيةٍ، والمعنى : نُبين لكَ أخبارَ الأممِ السَّالفةِ، والقرُونِ الماضية.
روى سعدُ بن أبي وقَّاصٍ ـ رضي الله عنه ـ قال : لمَّا أنْ نَزلَ القُرآنُ على رسول الله ﷺ فتَلاهُ عَليْهِمْ زمَاناً، فقالوا : يَا رسُولَ الله ﷺ لوْ حَدَّثتنَا ت فأنْزَل اللهُ ـ عز وجل ذكره ـ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ [الزمر : ٢٣] فقالوا : يا رسول الله، لو ذكرتنَا، فأنزل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ااْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد : ١٦].
قوله :﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ في انتصابه وجهان : أحدهما : أن يكُونَ منصُوباً على المفعول به، وذلك إذا جعلتَ القصص مصدراً واقعاً موقع المفعول، كالخلقِ بمعنى : المخلُوقِ، أو جعلته فعلاً بمعنى : مفعُول، كالقَبْضِ، والنَّقْضِ بمعنى : المَقْبُوض، والمَنْقُوض، أي : نقصُّ عليك أحسن الأشياءِ المقتصةن فيكون معنى قوله :﴿أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ : لِمَا فيه من العبرة، والنُّكتة، والحكمةِ، والعجائب التي ليست في غيرها.