فإحدى الفوائد في هذه القصة : أنه لا دافع لقضاءِ الله، ولا مانع من قدر الله، وأنَّهُ ـ تعالى ـ إذا قضى لإنسان بخير ؛ فلو اجتمع العالمُ، لمْ يقدروا على دفعه.
والفائدة الثانية : أنََّهَا تدلُّ على أنَّ الحسد سببُ الخُذلانِ، والنُقصَانِ.
والفائدة الثالثة : أنَّ الصَّبر مفتاحُ الفرج، كما في حقِّ يعقُوب عليه الصلاة والسلام ؛ فإنَّه لما صبر، نال مقصُوده، وكذلك يُوسُف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
والوجه الثاني : أن يكون منصوباً على المصدر المبين، إذا جعلتَ القصص مصدراً غير مراد به المفعُول، ويكون المقصُوص على هذا محذوفاً، أي : نقُصُّ عليك أحسن الاقتصاص.
وعلى هذا ؛ فالحسنُ يعُود إلى حسن البيان، لا إلى القصَّة، والمراد بهذا الحسن : كون هذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلى حدِّ الإعجاز، ألا ترى أنَّ هذه القصَّة مذكورةٌ في كمتب التَّواريخ، مع أنَّ شيئاً منها لا يشبه هذه السورة في الفصاحة، والبلاغة.
و " أحْسَنَ " : يجوز أن يكون : أفعل تفضيل على بابها، وأن يكُون لمُجرَّد الوصف بالحسن، وتكون من باب إضافة الصِّفة لموصوفها، أي : القصص الحسن.
قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : ذكر الله أقاصيصَ الأنبياء في القرآن، وكرَّرها بمعنى واحدٍ، في وجوهٍ مختلفة، بألفاظ متباينة على درجات المبالغة، وقد ذكر قصة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولم يكرِّرها ؛ فلم يقدر مخالفٌ على معارضة ما تكرر، ولا على معارضة غير المتكرِّر.
فصل قال القرطبي : وذكر العُلماءُ لكَوْنِ هذه القصَّة أحسنَ القصصِ وجوهاً : أحدها : أنه ليست قصَّة في القرآن تتضمنُ من العبر والحكم، ما تتضمن هذه القصَّة ؛ لقوله تعالى ـ في آخرها ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف : ١١١].
وثانيها : لحُسن مجاوزة يوسف إخوته، وصبْرِه على أذاهُم، وعفوه عنهُم بعد التقائهم عن ذكر فعلهم، وكرمه في العفو عنهُم، حتَّى قال :﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [يوسف : ٩٢].
وثالثها : أن فيها ذكر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصَّالحين، والملائكة، والجنِّ، والشياطين، والإنس، والطيرِ، وسير الملوكِ، والمماليكِ، والتُّجارِ، والعلماءِ، والجهال، والرِّجال، والنِّساء وحيلهنَّ ومكرهنَّ، وذكر التَّوحيد، والفقهِ، والسِّير، وتعبيرِ الرُّؤيا، والسِّياسةِ، والمعاشرةِ، وتدبير المعاشِ، وجُمَل الفوائد تصلُح للدِّين والدُّنيا.
ورابعها : أنَّ فيها ذكر الحبيب، والمحبُوب، وسيرهما.
وخامسها : أنَّ " أحْسنَ " هنا بمعنى : أعجب.
وسادسها : سُمِّيت أحسن القصص ؛ لأنَّ كل من ذكر فيها كان مآله إلى السَّعادة، وانظُر إلى يوسف، وأبيه وإخوته، وامرأة العزيز، قيل : والملكُ أيضاً أسلم بيُوسُف، وحسن إسلامهُ، ومستعبر الرؤيا، والسَّاقي، والشَّاهد فيما يقال، فما كان أمْر الجَمِيع إلاَّ إلى خير، والله ـ تعالى ـ أعلم.
قوله :﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ " الباء سببيَّة "، وهي متعلقةٌ بـ " نَقُصُّ " و " مَا " مصدريَّة، أيك بسبب إيحائنا ".
قوله :﴿هَـذَا الْقُرْآنَ﴾ يجوز فيه وجهان : أظهرهما : أن ينتصب على المفعولية بـ " أَوْحَيْنَا ".
والثاني : أن تكون المسألة من باب التنازع، أعني : بَيْن " نَقُصُّ " وبين " أوْحَيْنَا " فإن كلاًّ منهما يطلب " هذا القُرآنَ " وتكون المسألةُ من إعمال الثاني، وهذا إنما يتأتَّى على جعلنا " أحْسنَ " : منصوباً على المصدر، ولم يقدَّر لـ " نَقُصُّ " مفعولاً محذوفاً.
قوله :﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف : ٣] تقدّم إعراب نظيره، والمعنى : قد كنت من قبله، أي : من قبل وحينان لمن الغافلين، أي : لمن الساهين عن هذه القصَّة لا تعلمُهَا.
وقيل : لمن الغافلين : عن الدِّين والشَّريعة قبل ذلك، كقوله ـ تعالى ـ :﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ﴾ [الشورى : ٥٢].
قال بعض المفسرين : سمى قصَّة يُوسف خاصَّة أحسن القصص ؛ لما فيها من العبر، والحكم، والنُّكتِ، والفوائد التي تصلْح للدِّين والدُّنيا، من سير الملوكِ، والمماليكِ، والعلماء، ومكرِ النِّساء، والصبْر على أذى الأعداء، وحسن التَّجاوزِ عنهم بعد الالتقاء، وغير ذلك من الفوائد.
قال خالد بن معدان :" سورة يوسف، وسورة مريم يتفكَّه بهما أهل الجنَّة في الجنَّة ".
وقال عطاء ـ رحمه الله ـ :" لا يَسْمع سُورةَ يُوسف محْزُونُ إلا استراح لهَا ".
قوله تعالى :﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ﴾ الآية.
رُوِي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين : سلْوا محمَّداً لم انتقل يعقوب من الشَّام إلى مصر ؟ وعن كيفيَّة قصَّة يوسف ؟ فأنز الله ـ تعالى ـ هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon