وفي العامل في " إذْ " أوجهٌ : أظهرها : أنه منصُوب بـ " قَالَ يَا بُنَيَّ " أي : قال يعقوب : يا بني وقت قول يُوسف لهُ : كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا أسهل الوجوه ؛ إذ فيه إبقاء " إذْ " كونها ظرفاً ماضياً.
وقيل : الناسب له :" الغَالفينَ " قاله مكيٌّ.
وقيل : هو منصوبٌ بـ " نَقُصُّ " أي : نقصُّ عليك وقتَ قوله كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا فيه [إخراج] " إذْ " عن المضيِّ، وعن الظرفيَّة، وإن قدَّرت المفعول محذوفاً، أي : نقصُّ عليك الحال وقت قوله، لزم أخراجها عن المضيِّ.
وقيل : هو منصوب بمضمر، أي : اذكُر.
وقيل : هو منصُوب على أنَّه بدل من " أحسن القصص " بدل اشتمال.
قال الزمخشري :" لأنَّ الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص " و " يُوسفُ " اسم عبرانيٌّ، ولذلك لا ينصرف، وقيل : هو عربيٌّ، فقال الزمخشريُّ :" الصَحيحُ أنه اسم عبرانيٌّ ؛ لأنه لو كان عربيًّا، لانصرف " وسئل أبو الحسن الأقطع عن الأسف فقال :" الأسف في اللغة : الحُزن، والأسف : العَبْد، واجتمعا في يوسف ؛ فسُمِّي بهما ".
روي ابن عمر عن النبيِّ ﷺ قال :" الكَرِيمُِ ابنُ الكَريمِ ابْنِ الكريمِ ابن الكريم، يُوسف بنُ يعقُوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبْراهيمَ ـ صَلواتُ اللهِ وسلامه عليهم أجمعين ـ ".
قوله :" يَا أبَتِ " قرأ ابن عامر : بفتح التَّاء، والباقون بكسرها، وهذه التَّاء عوض عن ياء المتكلم ؛ ولذلك لا يجوز الجمع بينهما.
وهذا مختصٌّ بلفظتين : يا أبَتِ ويَا أمَّتِ، ولا يجُوز في غيرهما من الأسماء، لو قلت :" يَا صَاحِبتِ " لم يجُز ألبتَّة ؛ كما اختصَّت لفظة الأم والعم بحكم في نحو :" يا ابْنَ أمَّ " ويجوز الجمع بين هذه التَّاء، وبين كلِّ من الياءِ والألفِ ضرورةً ؛ كقوله :[الرجز]
٣٠٤٤ـ يَا أبَتَا عَلَّكَ أوْ عَسَاكَا
وقول الآخر :[المتقارب] ٣٠٤٥ـ أيَا أبَتَا لا تَزْلْ عِنْدنَا
فإنَّا نَخافُ بأنْ تُخْتَرَمْ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٥
وقول الآخر :[الطويل] ٣٠٤٦ـ أيَا أبَتِي لا زلْتَ فينَا فإنَّمَا
لنَا أمَلٌ فِي العَيْشِ ما دُمْتَ عَائِشَا
وكلامُ الزمخشريِّ يؤذن بأنَّ الجمع بين التَّاء والألفِ ليس ضرورةً ؛ فإنَّه قال :" فإن قلت : فما هَذه الكسْرة ؟ قلتُ : هي الكسْرة الَّتي كَانتْ قبل الياءِ في قولك :" يا أبي " قد زُحلقَتْ إلى التاء ؛ لاقتضاء تاءِ التَّأنيث أن يكُون ما قبْلَها مفتوحاً.
فإن قلت : فما بالُ الكسرة لم تَسْقُطْ بالفَتْحَة الَّتي اقْتَضَتْهَا التَّاء، وتبقَى التَّاءُ ساكنةً ؟.
قلت : امتنع ذلك فيها ؛ لأنَّها اسم، والأسماءُ حقُّها التحريكُ ؛ لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكينُ الياء، وأصلها أن تحرَّك تخفيفاً ؛ لأنها حرف لين، وأما التاء، فحرفٌ صحيحٌ، نحو كافِ الضمير ؛ فلزم تحريكها.
فإن قلت : يشبه الجمع بين هذه التَّاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوَّض منه ؛ لأنَّها في حكم الياء، إذا قلت : يا غُلام، فكَمَا لا يَجُوز :" يا أبتي " لا يجوز " يا أبتِ " قلت : الياءُ والكسرة قبلها شيئان، والتَّاء عوض من أحد الشيئين، وهو الياء، والكسرة متعرَّض لها ؛ فلا يجمع بين العوض والمعوَّض منه، إلا إذا جُمِعَ بين التَّاء والياء لاغير ؛ ألا ترى إلى قولهم :" يَا أبَتَا " مع كونِ الألف فيه بدلاً من الياءِ، كيف
جاز بينها وبين التاء، ولم يعدَّ ذلك جمعاً بين العوض والمعوَّض منه ؟ فالكسرة أبعد من ذلك.
فإن قلت : قد دلَّت الكسرة في " يا غُلام " على الإضافة ؛ لأنَّها قرينة الياءِ ولصيقتها، فإن دلَّت على مثل ذلك في :" يا أبت " فالتَّاء الَمعوَّة لغو، وجودها كعدمها.
قلت :[بل] حالها مع التَّاء كحالها مع الياءِ إذا قلت :" يا أبِي ".
وكذا عبارة أبي حيَّان، فإنه قال : وهذه التَّاء عوض من ياءِ الإضافة فلا تجتمعان، وتجامع الألف التي هي بدل من التاء، كما قال :[الرجز]
٣٠٤٧ـ يَا أبَتَا عَلَّكَ أوْ عَسَاكَا