وفيه نظر ؛ من حيث إن الألف كالتاء لكونها بدلاً منها، فينبغي أن لا يجمع بينهما، وهذا تاء أصلها للتأَنيث.
قال الزمخشريُّ :" فإن قلتك ما هذه التَّاء ؟ قلتك تاءُ التأنيث وقعت عوضاً من ياء الإضافة، والدَّليل على أنَّها تاء التَّأنيث : قلبُهَا هاءً في الوقف ".
قال شهاب الدِّين : وما ذكرهُ من كونها تقلب هاءً في الوقف، قرأ به ابنُ كثير، وابن عامرٍ، والباقُون وقفوا عليها بالتَّاء، كأَنَّهم أجروها مجرى تاء الإلحاق في " بِنْت وأخْت " وممن نصَّ على كونهخا للتَّأنيث : سيبويه ؛ فإنه قال :" سَألْت الخليل عن التَّاء في :" يَا أبتِ " فقال : هي بِمنزِلَة التَّاء في تاء " يا خالة وعمَّة " يعنى : أنَّها للتَّأنيث " ويدلُّ أيضاً على كونها للتأنيث : كتبُهم إيَّاها هاءً، وقياس من وقف بالتَّاء : أن يكُبهَا تاء، كـ " بِنْت وأخْت ".
ثم قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز إلحاق تاءِ التَّأنيث بالمذكَّر ؟.
قلت : كما جاز نحو قولك : حمامة ذكر، وشاةٌ ذكر، ورجل ربعة، وغلامٌ يفعة قلت : يعني : أنها جيء بهَا لمُجرَّد تأنيث اللفظ، كما في الأسماء المستشهد بها.
ثم قال الزمخشري :" فإن قلت : فلم ساغ تعويض تاءِ التأنيث من ياءِ الإضافة ؟.
قلت : لأن التأنيث والإضافة تناسبان ؛ في أنَّ كل واحدٍ منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره ".
قال شهاب الدين :" وهذا قياسٌ بعيدٌ لا يعمل به عند الحُذاق، فإنَّه يسمَّى الشَّبه الطَّردِي، أي : أنه شَبَهٌ في الصُّورة ".
وقال الزمخشري :" إنه قرىء " يَا أبتِ " بالحركات الثلاث :
١٠
فأما الفتح والكسر فقد تقدَّم ذكر من قرأ بهما.
وأما الضم فغريبٌ جدًّا وهو يشبه من يبني المنادى المضاف لياء المتكلِّم على الضمِّ ؛ كقراءة من قرأ :﴿قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء : ١١٢] بضم الباء، وسيأتي توجيهها هناك ـ إن شاء الله تعالى ـ ولما قلنا : إنَّه مضافٌ للياءِ، ولم نجعله مفرداً من غير إضافةٍ.
وقد تقدَّم توجيهُ كسر هذه التَّاء بما ذكره الزمخشريُّ من كونها هي الكسرة التي قبل الياء زحلقت إلى التاء وهذا أحدُ المذهبين.
والمذهبُ الآخر : أنَّها كسرة أجنبيَّة، جيء بها لتدُلَّ على الياءِ المعوَّض منها.
فأما الفتح ففيه أربعة أوجه، ذكر الفارسي منها وجهين : أحدهما : أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف المنقلبة عن الياءِ ؛ كما اجتزَأ عنها الآخرْ بقوله :[الوافر] ٣٠٤٨ـ ولَسْتُ بِراجِعٍ ما فَاتَ منِّي
بِلهْفَ ولا بِليْتَ ولا لَوَنِّي
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٥
وكما اجتزأ بها في :" يَا بْنَ أمَّ " و " يَا بْنَ عَمّ ".
والثاني : أنه رخم بحذف التاء، ثم اقحمت التَّاءُ مفتوحة ؛ كقول النابغة الجعديِّ :[الطويل] ٣٠٤٩ـ كِلِينِي لِهمِّ يا أمَيْمةَ نَاصبِ
وليْلٍ أقَاسيهِ بَطيءِ الكَواكبِ
بفتح تاء أميمة.
الثالث : ما ذكره الفرَّاء، وأبو عبيدة، وأبو حاتم، وقطرب في أحد قوليه : وهو أن الألف في :" يَا أبَتَا " للنُّدبة، ثم حذفها مجتزئاً عنها بالفتحة، وهذا قد ينفع في الجواب بين العوض والمعوض منه، ورد بعضهم هذاح بأنَّ المضع ليس موضع نُدبة.
الرابع : أن الأصل " يا أبَة " بالتنوين، فحذف التنوين، لأنَّ النداء بابُ حذفٍ، وإلى هذا ذهب قطرُب في القول الثاني.
وردَّ هذا : بأ، التَّنوين لا يحذف من المنادى المنصُوب نحو :" يَا ضَارِباً رجُلاً ".
وقرأ أبو جعفر :" يا أبِي " بالياءِ ولم يعوض منها التَّاء، وقرأ الحسن، والحسين، وطلحة بن سليمان، ـ رضي الله عنهم ـ " أحَدَ عَشَر " بسُكُون العين ؛
١١