كأنهم قصدّوا التنبيه بهذا التَّخفيفِ على أنَّ الاسمين جُعِلا اسماً واحداً.
قوله ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن تكون الواو عاطفة، وحينئذ : يحتمل أن يكُون من باب ذكر الخاصِّ بعد ذكر العام تفصيلاً له ؛ لأن الشَّمس والقمر دخلا في قوله :﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾ فهذا كقوله :﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة : ٩٨] بعد قوله :" ومَلائِكتهِ " ويحتمل أن لا تكون كذلك، وتكون الواوُ لعطف المغايرة ؛ فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادة على الـ " أحَدَ عَشَرَ " ومن جملتها الشمس والقمر، وهذان الاحتمالان نقلهما الزمخشريُّ.
والوجه الثاني : أن تكون الواو بمعنى :" مَعَ " إلا أنَّه مرجوحٌ ؛ لأنَّه متى أمكن العطف من غير ضعفٍ، ولا أخلال بمعنى، رُجِّح على المعيَّة ؛ وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله، بمعنى : أنه رأى الشمس، والقمر زيادةً على الأحد عشر كوكباً.
قوله :﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أنَّها جملة كُرِّرت للتوكيد ؛ لما طال الفصل بالمفاعيل، كما كُرِّرت " أنكُم " في قوله تعالى :﴿أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون : ٣٥].
كذا قالهُ أبو حيَّان، وسيأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
والثاني : أنه ليس [بتأكيد]، وإليه نحا الزمخشريُّ ؛ فإنه قال :" فإن قلت : ما معنى تكرار " رَأيْتُمْ " ؟ قلتُ : ليس بتكرار ؛ إنَّما هو كلام مُستأنَف على تقدير سؤال وقع جواباً له ؛ كأنَّ يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لهُ عند قوله :﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ كيف رأيتها ؟ سائلاً عن حال رؤيتها، فقال :(رأيتهم لي ساجدين) وهذا أظهر ؛ لأنَّه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد والتأسيس، فحمله على التَّأسيس أولى ".
و " سَاجِدينَ " : صفة جُمِعَ جَمْ العقلاء، فقيل : لأنَّه لما عاملهُم معاملة العقلاء في إسناد فعلهم إليهم، جمعهم جمع العقلاء، فقيل : لأنَّ الشيء قد يعامل مُعالمة شيء آخر، إذا شاركه في صفةٍ ما ؛ كما قال في صفة الأصنام :﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف : ١٩٨]، وكقوله عز وجل :﴿ يا أيها النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل : ١٨].
والرُّؤية هنا : مناميَّة، وقد تقدم أنَّها تنصب مفعولين ؛ كالعلميَّة ؛ وعلى هذا قد حذف المعفول الثاني من قوله :﴿رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾، ولكن حذفه اقتصاراً ممتنع، فلم يبق إلا اختصاراً، وهو قليلٌ، أو ممتنع عند بعضهم.
وقال بعضهم : إن إحداهما من الرُّؤية، والأخرى من الرُّؤيا.
١٢
قال القفَّال : ذكر الرُّؤية الأولى ؛ ليدل على أنَّه شاهد الكواكبِ، والشَّمس والقمر، والثانية ؛ ليدل لا على مشاهدة كونها ساجدة لهُ.
فصل ذكر المفسرون : أنَّ يوسف ـ عليه السلام ـ رأى في المنام أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر يسجدون لهُ، كان لهُ احد عشر من الإخوة يُسْتضاء بهم ؛ كما يُسْتضاء بالنُّجوم، ففسَّر الكواكب : بالإخوة، والشمس والقمر : بالأب والأم، والسجُود : بتواضعهم له، ودخولهم تحت أمره، وإنما حملنا الرُّؤية على رُؤية المنام ؛ لأن الكواكب لا تسجُج في الحقيقَةن ولقول يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾.
وقال السديُّ :" القمر : خالته، والشَّمسُ : أبُوه ؛ لأن أمَّه راحِيل كانت قد ماتت ".
وقال ابن جريج : القَمَر : أبُوه، والشَّمسُ أمُّه ؛ لأن الشمس مؤنثة، والقمر مذكَّر.
وقال وهب بن مُنبِّه ـ رضي الله عنه ـ :" إن يُوسفُ ـ عليه الصلاة والسلام ت رأى وهو ابنُ سبع سنين، إحدى عشرة عصاً طوالاً كانت مركُوزة في الأرض كهيئة الدَّائرة، وإذا عَصاً صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعتها، فذكر ذلك لأبيه ؛ فقال : إيَّاك أن تذكر هذا لإخوتك، ثمَّ رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة، الشَّمس، والقمر والكواكب، تسجُد له ؛ فقصَّها على أبيه ؛ فقال : لا تذكرها له فيَكيدُوا لَك كَيْداً ".
روى الزمخشريُّ : ـ رحمه الله ـ :" أن يهُودِيًّا جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه سولمن فقال يا محمَّد : أخبرني عن النُّجُوم التي رآهُن يوسف، فسكت النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ فنزل جبريل ـ عليها لسلام ـ فأخبره بذلك ؛ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ لليهوديَّ : إن أخبرتك بذلك هل تسلم ؟ قال : نَعمْ ؛ فقال النبي ﷺ وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم : حرثان، والطارق والذيال، وقابس، وعمودان، والفليق، والمصبح، والقرع، والضروح ووثاب، وذو الكتفين ـ رآها يوسف، والشمس والقمر [نَزلْنَ] من السَّماء، وسجدن لهُ، فقال اليهوديُّ : أي والله إنَّها لأسماؤها ".
١٣