بألا يكيدُوه ؛ لأن ذكر ذلك قد تقدَّم، وأيضاً : فيبعُد أن يقال : إنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ سيصلُ إلى هذه المناصب، إلا أنه لا يمتنعُ أن يقع في المضايق الشديدة، ثم يتخلَّص منها، أو يصل إلى تلك المناصب، وكان خوفه بهذا السَّبب، ويكُون معنى قوله :﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ﴾ [يوسف : ١٣] الزَّجز عن التهاون في حقِّه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه ".
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٥
قوله تعالى :﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ﴾ الآية.
قال الزمخشري :" أسماء إخوة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ يهوذا ورُوبيل، وشمعُون، ولاوي، وزبالون، ويشجر، وأمهم : ليا بن ليان، وهي ابنة خال يعقوب، وولد له من سريتين ـ تسمى إحداهما زلفة والأخرى بلهة ـ أربعة أولاد : دان، ونفتالي، وجاد وآشر، فلما توفيت " ليا " تزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين ".
قوله تعالى قرأ ابن كثير " آية " بالإفراد، والمراد بها : الجِنْس، والباقون الجمع تصريحاً بالمراد ؛ لأنها كانت علامات كثيرة، وزعم بعضهم : أن ثمَّ معطوفاً محذوفاً، تقديره : للسَّائلين ولغيرهم، ولا حاجة إليه، و " للسَّائلِينَ " : متعلقٌ بمحذوفٍ نعتاً لـ " آياتٌ ".
فصل معنى :﴿آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ﴾ أنه عبرة للمتعبرين ؛ فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف، وما آل إليه أمرهم من الحسدن وتشتمل على صبر يوسف عن قضاء الشُّهُود، وعلى الرقِّ والسِّجن، ما آل إليه أمرهُ من الوُصول إلى المراد، وغير ذلك.
وقيل :﴿آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ﴾، أي دلالة على نُبُوَّة الرسول ـ صلوات الله وسلام عليه ـ.
٢٠
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ دخل حبر من اليهُود على رسول الله ﷺ فسمع منه [قراءة] سورة يوسف، فعاد إلى اليهودِ، فأعلمهم أنَّه سمع كما في التَّوراة، فانطلق نفرٌ منهم، فسَمِعُوا كما سَمِع ؛ فقالوا له : من علَّمك هذه القصَّ ؟ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" الله عَلَّمَنِي " فنزلت :﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ﴾.
قال ابن الخطيب :" وهذا الوجه عندي بعيد ؛ لأن المفهوم من الآية : أن في واقعة يُوسف ـ عليه الصلاة والسلام ت آياتٌ للسَّائلينَ، وعلى ما قلناه : ما كانت الآيات في قصَّة يُوسف، بل كانت في إخبار محمَّد ﷺ عنها، من تعلُّم ولا مطالعة.
الثاني : أن أكثر أهل مكَّة كانُوا أقارب الرَّسُول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وكانُوا يُنْكِرُون نُبوَّته، ويظهرُون العداوة الشَّديدة معهُ بسبب الحسد، فذكر الله ـ تعالى ـ هذه القصَّة، وبيَّن أنَّ إخوة يُوسُف بالغُوا في إيذائه لأجل الحسد، وبالآخرة إن الله نصره، وقواه، وجعلهم تحت يده، ومثل هذه الواقعة إذا سمعها العاقل، كانت زاجرة له عن الإقدام على الحسد.
الثالث : أن يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما عبر رُؤيا يُوسُف، وقع ذلك التَّعبير، ودخل في الوُجُود بعد ثمانين سنة، فكذلك أن الله ـ تعالى ت كما وعد مُحمَّداً ﷺ بالنَّصر والظفر، كان الأمر كما قدَّره الله ـ تعالى ـ لا كما سعى فيه الأعداء في إبطال أمره ".
قوله :﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ اللام في " ليُوسفُ " : لام الابتداء أفادت توكيداً لمضمون الجملة، وأرادُوا أنَّ زيادة محبَّته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه " وأخُوهُ " ك هو بنيامين، وإنَّما قالوا :" وأخُوهُ " وهُمْ جَمِيعاً إخوة ؛ لأن أمُّهُمَا كانت واحدة، و " أحَبُّ " أفعل تفضيلن وهو مبنيٌّ من " حُبَّ " المبنيِّ للمفعُول، وهو شاذٌّ، وإذا بنيت أفعل التَّفضيل، من مادَّة الحُبِّ والبغضِ، تعدَّى إلى الفاعل المعنوي بـ " إلى " وإلى المفعول المعنوي بـ " اللام، أو بـ " في " فإذا قلتَ : زيدٌ أحبُّ إِليَّ من بكرٍ، تعني : أنك تحبُّ زيداً أكثر من بكر، فالمُتكلِّم هو الفاعل، وكذلك :" هو أبغضُ إليَّ منْهُ " أنت المبغض، وإذا قلت : زيدٌ أحبُّ إليَّ من عمرو، أو أحَبُّ فيَّ مِنهُ، أي : إنَّ زيداً يُحِبُّني أكثر من عمْرِو ؛ قال امرؤ القيس :[الطويل] ٣٠٥٠ـ لعَمْرِي لَسعْدٌ حَيْثُ حُلِّتْ دِيَارهُ
أحَبُّ إليْنَا مِنْكَ فافرَسٍ حَمِرْ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠
وعلى هذا جاءت الآية الكريمة ؛ فإن الإب هو فاعل المحبَّة.
٢١