ويجمع على جُنُبٍ، وجِبَاب، وأجْبَاب.
فصل والألف واللام في " الجُبِّ " تقتضي المعهُود السَّابق، واختلفوا فيه : فقال قتادة : هو جُبُّ بئر بيت المقدِس، وقيل : بأرض الأرْدُن.
وقال مقاتل : هو على ثلاثة فراسِخ من منْزِل يعقُوب، وإنَّما عيَّنوا ذلك الجُبَّ ؛ للعلَّة التي ذكروها، وهي قوله :" يَلتَقطهُ بَعْضُ السَّيارةِ " لأن تلك البِئْر كانت معروفة يَردُونَ عليها كثيراً، وكانوا يعلمُون أنَّه إذا طُرِحَ فيها، كان إلى السَّلامة أقْرب ؛ لأن السيارة إذا ورَدُوهَا، شاهدوا ذلك الإنسان فيهن فيخرجوه، ويذهبوا به فكان إلقاءه فيها أبعد عن الهلاك.
قوله " يَلتَقِطْهُ " قرأ العامَّةك " يَلْتَقِطْهُ " بالياء من تحت، وهو الأصلُ وقرأ الحسن، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة : بالتَّاء من فوقح للتَّأنيثِ المعنويِّن والإضافة إلى مؤنَّث، وقالوا : قُطِعَت بعضُ أصَابعه.
قال الشَّاعر :[الوافر] ٣٠٥٦ـ إذَا بَعْضُ السِّنينَ تَعرَّقَتْنَا
كَفَى الأيْتامَ فقدَ أبِي اليَتِيمِ
وتقدَّم الكلام بأوسع من هذا في الأنعام والأعراف [الأنعام : ١٦٠ ـ الأعرافَ : ٥٦].
والإلتِقَاط : تناول الشيء المطروح، ومنه : اللُّقطَة واللَّقِيط ؛ قال الشاعر :[الرجز] ٣٠٥٧ـ ومَنْهَلٍ ورَدْتهُ التِقَاطَا
..........................
قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله تعالى ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ أي : يجده من غير أن يحتسب.
٢٨
فصل اختلفوا في الملقوط فقيل : إن أصله الحرية ؛ لغلبة الأحرار على العبيد، وروي الحسين بن علي رضي الله عنهما قضى بأن اللقيط حُرٌّ، وتلا قوله تعالى :﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف : ٢٠] وهذا قوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويروى عن علي وجماعته، وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك، وإن نوى الاحتساب فهو حر.
فصل والسيَّارة : جمع سيَّار، وهو مثال مبالغة، وهُمُ الجماعة الذين يسيرون في الطريق للسَّفَر، وقال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ : يريد : المارَّة، ومفعول " فَاعِلينَ " محذُوف، أي : فاعلين ما يحصل به غرضكم.
وهذا إشارة إلى أن الأولى : أن لا تفعلوا شيئاً من ذلك، وأما إن كان ولا بد، فاقتصروا على هذا القدر، ونظيره قوله ـ تعالى ـ :﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل : ١٢٦] يعني : الأولى ألاَّ تفعلوا ذلك.
قوله تعالى :﴿قَالُواْ يَأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ الآية.
" تَأمَنَّا " حال وتقدَّم نظيره، وقرأ العامَّة : تأمنَّا بالإخفاء، وهو عبارة عن تضعيف الصَّوت بالحركة، والفصل بين النُّونين ؛ لا لأن النون تسكن رأساً ؛ فيكون ذلك إخفاءً، لا إدغاماً.
قال الدَّاني :" وهو قول عامَّة أئِمَّتنا، وهو الصواب ؛ لتأكيد دلالته وصحَّته في القياس ".
وقرأ بعضهم ذلك : بالإشمام وهو عبارة عن ضمِّ الشفتين، إشارة إلى حركة الفعل مع الإدغام الصَّريح، كما يشير إليها الواقف، وفيه عسر كثير، قالوا : وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام، أو قبل كماله، والإشمام يقع بإزاء معانٍ هذا من جملتها.
ومنها :[إشراب] الكسرة شيئاً من الضمِّ [نحو قيل، ﴿وَغِيضَ﴾ [هود : ٤٤] وبابه، وقد تقدم في أول سورة البقرة].
ومنها إشمام أحد الحرفين شيئاً من الآخر ؛ كإشمام الصاد زاياً في ﴿الصّرَاطَ﴾ [الفاتحة : ٦]، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ﴾ [النساء : ٨٧، ١٢٢] وبابهما، وقد تقدم في الفاتحة، والنساء، فهذا خلط حرف بحرف، كما أن ماقبلهُ خلطُ حركة بحركةٍ.
ومنها : الإشارة إلى الضَّمَّة في الوقف خاصَّة، وإنما يراه البصير دُون الأعمى،
٢٩


الصفحة التالية
Icon