وقرأ أبو جعفر : الإدغام الصَّريح من غير إشمام، وقرأ الحسن ذلك : بالإظهار مبالغة في بيان إعراب الفعل.
وللمحافظة على حركة الإعراب، اتَّفق الجمهُور على الإخفاء، أو الإشمام، كما تقدَّم تحقيقه.
وقرأ ابن هرمز :" لا تَأمُنَّا " بضم الميم، نقل حركة النُّون الأولى عند إرادة إداغمها، بعد سلب الميم حركتها، وخط المصحف بنون واحدة، ففي قراءة الحسن مخالفة لها.
وقرأ أبو رزين، وابن وثَّابٍ :" لا تِيْمَنًّا " بكسر حرف المضارعة، إلا أنَّ ابن وثَّاب سهَّل الهمزة.
قال ابو حيَّانك " ومجيئُه بعد " مَا لَكَ " والمعنى : يرشد إلى أنَّه نفيٌ لا نهي، وليس كقولهم :" ما أحْسَنًّا " في التعجُّبح لأنه لو أدغم، لالتبس التَّعجب بالنَّفْي ".
قال شهاب الدِّين : وما أبْعَد هذا عن توهُّم النَّهي، حتى ينُصَّ عليه بقوله :" لالتبس بالنَّفْي الصحيح ".
فصل هذا الكلام يدلُّ على أن يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يخافُهم على يُوسف، ولولا ذلك، لما قالوا هذا القول.
واعلم : أنَّهم لما أحكمُوا العزم، أظهروا عند أبيهم أنَّهم في غاية المحبَّة ليوسُف، ونهاية الشفقة عليه، كانت عادتهم أن يغيبُوا عنه مُدَّة إلى الرَّعين فسألوه إرساله معهم، كان يعقُوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ يحب تطيب قلب يوسف، فاغترَّ بقولهم، وأرسلهُ معهم حين قالوا له :﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ والنُّصْح هنا : القيام بالمصلحة.
وقيل : البرُّ والعطف، أي : عَاطِفُون عليه قَائِمُون بمصلحته، نحفظه حتَّى نردهُ إليك.
قيل للحسن : أيَحْسُد المُؤمن ؟ قال : ما أنْسَاك ببَنِي يعقوب، ولهذا قيل : الأب جلاَّبٌ، والأخ سَلاَّب، وعند ذلك أجمعوا عل التًَّفريق بينه وبين ولده بضرب من الاحتيال، وقالوا ليعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ ﴿مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾.
٣٠
وقيل : لما تفاوضوا وافترقوا على راي المتكلِّم الثاني، عادوا إلى يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقالوا هذا القول، إذ فيه دليلٌ على أنَّهُم سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف، فأبى.
قوله :﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ في :" يرْتَعْ ويَلعَبْ " أربع عشرة قراءة : أحدها : قراءة نافع : بالياء من تحت، وكسر العين.
الثانية : قراءة البزِّي، عن ابن كثيرٍ :" نَرْتَعِ ونلعب " بالنُّون وكسر العين.
الثالثة : قراءة قنبل، وقد اختلف عليه، فنقل عه ثُبُوت الياء بعد العين وصلاً ووقفاً، وحذفها وصلاً ووقفاً، فيوافق البزِّي في أحد الوجهين عنه، فعنه قراءتان.
الخامسة : قراءة أبي عمرو، وابن عامر :" نَرتَعْ ونَلعَبْ " بالنُّون، وسكون العين، والباء.
السادسة : قراءة الكوفيين :" يَرْتَعْ ويَلعبْ " بالياء من تحت وسكون العين والباءِ.
وقرأ جعفر بن محمد :" نَرْتَعْ " بالنُّون، " ويَلْعَبْ " بالياء، ورُويت عن ابن كثيرٍ.
وقرأ العلاء بن سيابة :" يَرْتَعِ ويَلْعَبُ " بالياء فيهما، وكسر العين وضمّ الباء.
وقرأ أبو رجاء كذلك، إلا أنَّه بالياء من تحت فيهما.
والنخعي ويعقوبك " نَرْتَع " بالنون، " ويَلْعَب " بالياء.
وقرأ مجاهدٌ، وقتادةُ، وابن محيصِن :" يَرْتَعْ ويَلْعَب " بالياء، والفعلان في هذه القراءات كلها مبنيان للفاعل.
وقرأ زيد بن علي :" يُرْتَع ويُلْعَب " بالياء من تحت فيهما مبنيين للمعفول.
وقرىء :" نَرْتَعِي ونَلْعَبُ " بثبوت الياء، ورفع الباء.
٣١
وقرأ ابن أبي عبلة :" نَرْعَى ونَلْعَب ".
فهذه اربع عشرة قراءة منها ستٌّ في السَّبع المتواتر وثمان في الشواذٍّ.
فمن قرأ بالنُّون، فقد أسند الفعل إلى إخوة يوسف.
سُئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : نلعب وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن يُنَبِّئهُم الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.
قال ابن الأعرابي : الرَّتْع : الأكل بشدة، وقيل : إنه الخَصْبُ.
وقيل : المراد من اللَّعب : الإقدام على المُباحات، وهذا يوصف به الإنسان، كما رُوِي عن النبي ﷺ أنه قال لجابرـ :" هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُهَا وتُلاعِبُك ".
وقيل : كان لعبهم الاستباق، والغرض منه : تعليم المحاربة، والمقاتلة مع الكُفَّار، ويدلُّ عليه قولهم :" إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتبِقُ " وإنما سمَّوه لعباً ؛ لأنه في صُورة اللَّعِب.
وأما من قرأ بالياءِ، فقد أسند الفعل إليه دونهم، فالمعنى : أنه يبصر رَعْي الإبلِ ؛ لتيدرَّب بذلك، فمرَّة يرتع، ومرَّة يلعب ؛ كفعل الصِّبيان.
ومن كسر العين، اعتقد أنه جزم بحذف حرف العلَّة، وجعلهُ مأخُوذاً من يفتعِل من الرَّعي ؛ كيَرْتَمِي من الرَّمْي، ومن سكن العين، واعتقد أنه جزم بحذق الحركة، وجعلهُ مأخوذاً من : رَتَعَ يَرْتَعُ، إذا اتَّسع في الخِصْب قال : ٣٠٥٨ـ....................
وإذَا يَحْلُولَهُ الحِمَى رَتَعْ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠


الصفحة التالية
Icon