ومن سكَّن الباء جعلهُ مَجزُوماً، ومن رفعها، جعله مرفوعاً على الاستئناف، أي : وهو يلعبُ، ومن غاير بين الفعلين، فقرأ بالباء من تحت في " يَلْعَب " دون " نَرْتَع " ؛ فلأن رَعْياً، إذا أكلته فالارتعاء للمواشِي، وأضافوه إلى أنفسهم ؛ لأنه السَّبب، والمعنى : نرتع إبلنا، فنسبُوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم ؛ لأنهم بالغون.
ومن قرأ :" نُرْتع " رُباعياً، جعل مفعُوله محذوفاً، أي : يَرْعى مَواشينا، ومن بناها للمفعول، فالوجه : أنه أضمر المفعُول الذي لم يُسمَّ فاعله، وهو ضمير الغدِ، والأصل : نُرْتَع فيه، ونُلعَبُ فيه، ثم اتسع فيه ؛ فحذف حرف الجرِّ، فتعدى إليه الفعل بنفسه، فصار
٣٢
نُرْتعه ونَلْعَبُه، فلما بناهُ للمفعول، قام الضمير المنصُوب مقام فاعله، فانقلب مرفوعاً فاستتر في رافعه، فهو في الاتِّساع كقوله :[الطويل] ٣٠٥٩ـ ويَوْمٍ شَهِدْنَا سَلِمياً وعَامِراً
.....................
ومن رفع الفعلين، جعلهما حالين، وتكون مقدَّرة، وأمَّا إثبات الياء في " نَرْتَعي " مع جزم " يَلْعَب " وهي قراءة قنبل، فقد تجرَّأ بعضُ النَّاس وردَّها.
وقال ابن عطيَّة : هي قراءة ضعيفةٌ لا تجوز إلا في الشِّعْر، وقيل : هي لغة من يجز بالحركة المقدَّرة، وأنشد : ٣٠٦٠ـ ألَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي
......................
وقد تقدَّمت هذه المسألة.
و " نَرْتَع " يحتمل أن يكون وزنه :" نَفْتَعِل من الرَّعْي وهي أكلُ المرعى ؛ كما تقدَّم، ويكون على حذف مضاف، أي : نرتع مواشينا، أو من المراعاة للشيء ؛ قال :[الخفيف] ٣٠٦١ـ تَرْتعِي السَّفحَ فالكَثِيبَ فَذا قَارِ
فَروضَ القَطَا فَذاتَ الرِّئالِ
ويحتمل أن يكون وزنه " نَفْعَل " من رَتَعَ يَرْتَع : إذا أقام في خصب وسعة، ومنهُ قول الغضبان بن القبعثرى :" القَيْدُ والرَّتعة وقِلَّة المَنعَة " ؛ وقال الشاعر :[الوافر] ٣٠٦٢ـ أكُفْراً بَعْدَ ردِّ المَوْتِ عَنِّي
وبَعدَ عَطائِكَ المِائة الرِّتاعَا
قوله :﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ جلمة حالية، والعاملُ فيها أحد شيئين : إمَّا الأمر، وإمَّا جوابه.
فإن قيل : هل يجوز أن تكون المسألة من الإعمال ؛ لأن كلاًّ من العاملين يصح تسلُّطه على الحال ؟.
فالجواب : لا يجُوز ذلك ؛ لأنَّ الإمال يستلزم الإضمار، والحالُ لا تضمر ؛ لأنَّها لا تكون إلا نكرةً، أو مؤولةً بها.
قوله :﴿أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ فاعل :" يَحْزُنُنِي "، أي : يَحْزُننِي ذهابُكم، وفي هذه الآية دلالة على أنَّ المضارع المقترن بلام الابتداء لا يكون حالاً، والنُّحاة جعلوها من القرائن المخصصة للحال، ووجه الدلالة : أنَّ " أن تذْهَبُوا " مستقبل ؛ لاقترانه بحرف الاستقبال، وهي وما في حيِّزها فاعل، فلو جعلنا " ليَحْزُنُنِي " حالاً، لزم سبق الفعل لفاعله، وهو
٣٣
مُحل وأجيبَ عن ذلك بإنَّ الفاعل في الحَقيقَة مقدَّر، حذف هو وقام المضاف إليه مقامه، والتقدير : ليَحْزُوننِي توقع ذهابكم، وقرأ زيد بن علي وابن هرمز، وابن محيصن :" ليَحْزُنِّي " بالإدغام.
وقرأ زيد بن علي :" تُذْهِبُوا بِهِ " بضم التَّاء من " أذْهَبَ " وهو كقوله :﴿تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون : ٢٠] في قراءة من ضمَّ التَّاء، فتكون التاء زائدة أو حالية.
والذئبُ يُهْمز ولا يُهْمزُ، وبعدم الهمز قرأ السُّوسيُّ، والكسائيُّ، وورش، وفي الوقف لا يهمزه حمزة، قالوا وهو مشتقٌّ من : تَذاءَبتٍ الرِّيحُ إذَا هَبَّت من كُلِّ جهةٍ ؛ لأنه يأتي كذلك، ويجمع على ذائب، وذُؤبان، وأذْؤبح قال :[الطويل] ٣٠٦٣ـ وأزْوَرَ يَمْشِي في بلادٍ بَعيدَةٍ
تَعَاوَى بِهِ ذُؤبَانُهُ وثَعالِبُهْ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠