قوله :﴿وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ الكاف ـ كما تقدم في نظائره ـ حالٌ من ضمير المصدر، أو نعتٌ له، أي : ومثل ذلك الإنجاء من الجبّ والعطف مكَّنا له، أي : كما أنجيناه، وعطفنا عليه العزيز مكَّنا له في أرض مصر، أي : صار متمكناً من الأمرِ والنهي في أرض مصر، وجلعناه على خزائنها.
قوله :﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ وهي تعبير الرُّؤيا.
واللام في " ولنُعَلِّمُه " فيها أوجه : أحدها : أن تتعلقَّق بمحذوف قبله، أي : وفعلنا ذلك لنعلمه.
والثاني : أنها تتعلَّق بما بعده، أي : ولنعلمه، فعلنا كيت، وكيت.
[الثالث : أن يتعلَّق بـ " مَكَّنَّا " على زيادة الواو].
قوله :﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ الهاء في " أمْرهِ " يجوز أن تعود على الجلالةِ أي : أنه ـ تعالى ـ :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج : ١٦] لا يغلبه شيءٌ، ولا يردُّ حكمهُ رادٌّ، لا دافع لقضائه، ولا مانع من حكمه في أرضه، وسمائه.
ويجوز أن تعود على يوسف، أي : أنه يدبره، ولا يكله إلى غيره، فقد كادوه إخوته، فلم يضروه بشيء ﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ الأمر كله بيد الله.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦
قوله تعالى :﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ الآية لما بيَّن ـ تعالى ـ أن إخوته لمَّا أساءوا إليه ثمَّ صبر على تلك الإساءة، والشَّدائد مكَّنهُ اللهُ في الأرض، ثم لما بلغ أشدهُ آتاه اللهُ الحكم، والعلم، والمقصود أن جميع ما قام به من النِّعمِ كان جزاء على صبره.
قوله :" أشدَّهُ " فيه ثلاثة أقوال : أحدها : وهو قولُ سيبويه : أنَّهُ جمع مفرده شدَّة، نحو نعمة وأنعم.
الثاني : قول الكسائي أنَّ " أشدّه " مفردة :" شدَّ " بزنة " فعل " نحو :" صَكَّ "، وأصكَّ " ويؤيدهُ قول الشاعر :[الكامل] ٣٠٧٣ـ عَهْدِي بِهَا شدَّ النَّهارُ كأنَّما
خُضِبَ البَنَانُ ورَأسهُ بالعِظْلِم
والثالث : أنه جمعٌ لا واحد له من لفظه، قاله أبو عبيدة، وخالفه الناس في ذلكن وقد سمع " شدَّه وشُدَّ " وهما صالحانِ له، وهو من الشدِّ، وهو الرَّبطُ على الشيء، والعقد عليه.
٥٣
قال الراغب : وقوله تعالى :﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأحقاف : ١٥] فيه تنبيهٌ على أنَّ الإنسان، إذا بلغ هذا القرار استوى خلقه الذي هو عليه، فلا يكادُ يزايله، ما أحسن ما [نبه له] الشاعر حين قال :[الطويل] ٣٠٧٤ـ إذَا المَرْءُ وافَي الأرْبعينَ ولمْ يَكُنْ
لَهُ دُونَ ما يَهْوَى حَياءُ و لا سِتْرُ
فَدعْهُ ولا تَنفِسْ عَليْهِ الَّذي مَضَى
وإنْ جَرَّ أسَبابَ الحَياةِ لهُ العُمْرُ
والأّشدَّ : منتهى شبابه، وشدَّته، وقوَّته.
قال مجاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : ثلاثاً وثلاثين سنة.
وقال السديُّ : ثلاثين سنة وقال الضحاكُ :" عشرين سنة " وقال الكلبيُّ : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة.
وسئل مالكٌ رضي الله عنه عن الأشد قال : هو الحلم، وقد تقدَّم الكلامُ على الأشد في سورة الأنعام عند قوه :﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام : ١٥٢].
قوله :﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ فالحُكْمُ : النبوةُ، والعلمُ : التفقَهُ في الدِّين، وقيل : يعني : إصابة في القول، وعلماً [بتفاصيل] الرُّؤيا.
وقيل : الفرقُ بين الحكيمِ والعالمِ : أن العالم هو الذي يعلم الأشياء، والحكيمُ : الذي يَحكمُ بما يوجبه العلمُ.
قوله :" وكَذِلكَ " إمَّا نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أو حالٌ من ضمير المصدر، وتقدَّم نظائره.
﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ قال ابنُ عبًّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ : المؤمنين، وعنه أيضاً : المهتدين.
وقال الضحاك : الصَّابرين على النَّوائب كما صبر يوسفُ.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٥٣