المخالطةِ، والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معاً، فكأنه قيل : همَّا بالمخالطة لولا أن منع مانعٌ أحدهما ؟ قلتُ : نعم ما قلت : ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد جاء بالهمين على سبيل التفضيل حيث قال :﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ اهـ.
والزجاج لم يرتض هذه المقالة، أي : كون قوله :" لَوْلاَ " متعلقة بـ " هَمَّ بِهَا " فإنه قال : ولو كان الكلام " لَهمَّ بِهَا " لكان بعيداً، فيكف مع سُقوطِ الكلام ؟ [يعني] الزجاج أنه : لا جائز أن يكون " هَمَّ بِهَا " جواباً لـ :" لَوْلاَ " ؛ لأنه لو كان جوابها لاقترن باللاَّمِ ؛ لأنه مُثبتٌ، وعلى تقدير أنَّهُ كان مقترناً باللاَّم كان يبعد من جهة أخرى، وهي تقديمُ الجواب عليها.
وجواب ما قاله الزجاجُ : ما تقدم عن الزمخشري من أن الجواب محذوفٌ مدلولٌ عليه بما تقدَّم.
وأما قوله :[ولو كان] الكلام :" ولهمَّ بِهَا " فغيرُ لازم ؛ لأنَّه متى كان جواب " لَوْ "، و " لَوْلاَ " مثبتاً جاز فيه الأمران : اللام وعدمها، وإن كان الإتيانُ اللاَّم هو الأكثر.
وتابع ابنُ عطيَّة في هذا المعنى فقال :" قول من قال : إنَّ الكلام قد تمَّ في قوله :" ولقَدْ هَمَّتْ بِهِ "، وأن جواب " لَوْلاَ " في قوله :" وهَمَّ بَهَا " ؛ وأنَّ المعنى : لولا أن رأى البرهان لهم بها، فلم يهمَّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : وهذا قولٌ يردُّه لسان العرب، وأقوال السَّلف ".
فقوله :" يردُّه لسانُ العرب " فليس كذلك ؛ لأنَّ وزن هذه الآية قوله :﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا اا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص : ١٠] فقوله :﴿إِن كَادَتْ﴾ أمَّا أن تكون جواباً عند من يرى ذلك، وإمَّا أن يكون دالاً على الجواب، وليس فيه خروجٌ عن كلامِ العربِ، هذا ما ردَّ عليه أبو حيَّان.
وكأن ابن عطيَّة إنما يعني بالخروج عن لسان العرب تجرد الجواب من اللاَّم على تقدير جواز تقديمه، والغرض أن اللاَّم لم توجد.
فصل الهمُّ هو المقاربةٌ من الفعل من غير دخولٍ فيه، فهَمُّهَا : عزمُها على المعصية، وأما همُّه : فرُوِيَ عن أبن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنه حلَّ الهميان، وجلس منها مجلسَ الخاتنِ.
٦١
وعن مجاهد ـ رحمه الله ـ أنَّه حلّ سراويله، وجعل يعالجُ ثيابه، وهذا قولُ سعيد بن جبير، والحسن، وأكثر المتقدمين ـ رضي الله عنهم ـ.
وقيل غير ذلك.
وقال أكثرُ المتأخِّرين : إنَّ هذا لا يليقُ بحال الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقالوا : تم الكلام عند قوله :" ولقد همَّتْ بِهِ "، ابتدأ الخبر عن يوسف فقال :﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا اا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ على التَّقديمِ، والتأخير، أي : لولا أنه رأى برهان ربِّه لهم بها، لكنه رأى البُرهان، فلم يهمّ.
قال البغويُّ :" وأنكره النُّحاة، وقالوا : إنَّ العربَ لا تُؤخِّرُ " لَوْلاَ " عن الفعلِ فلا يقولون : قُمْتُ لولا زيدٌ، وهي تريدُ : لولا زيدٌ لقُمْتُ ".
وذكر ابنُ الخطيبِ : عن الواحديِّ أنه قال في البسيطِ :" قال المفسِّرُون : هم يوسف أيضاً بالمرأة همَّا صحيحاً، وجلس منها مجلس الرجُل من المرأةِ فلمَّا رأى البُرهانَ من ربه ؛ زالت كلُّ شهوة عنه.
قال أبُو جعفرٍ الباقرُ بإسناده عن عليِّ ـ كرَّم الله وجهه ـ أنه قال : طمعت فيه، وطمع فيها ".
ثمَّ إنَّ الواحديَّ طول في كلمات عاريةٍ عن الفائدة في هذا الباب، ولم يذكر فيما احتج به حديثاً صحيحاً يعوَّل عليه في هذه المقالة، ورُويَ أنَّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمَّا قال :﴿ذالِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ [يوسف : ٥٢] قال له جبريل عليه السلام : ولا جين هممت يَا يوسف فقال عند ذلك :" ومَا أبرِّىءُ نَفْسِي ".
وقال بعضُ العلماءِ ـ رضي الله عنهمـ : الهمُّ همَّان : همٌّ يخطرُ بالبالِ من غير أن يبرز إلى الفعل.
وهمٌّ يخطرُ بالبالِ، ويبرز إلى الفعل، فالأوَّلُ مغفورٌ، والثاني : غير مغفورٍ إلا أنْ يشاءَ اللهُ، ويشهدُ لذلك قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾، فهمُّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان خُطُراً بالبال من غير أن يخرج إلى الفعلِ، وهمُّها خرج إلى الفعل بدليل أنَّها ﴿وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ [يوسف : ٢٣]، ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ [يوسف : ٢٥].
ويشهد للثاني قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ " إذَا التَقَى المُسْلمَانِ بسيفَيْهِمَا فالقَاتِلُ
٦٢