الصلاة والسلام ـ فاستحى منه.
قالوا : وهو قول عكرمة، ومجاهدٍ، الحسن، وسعيد بن جبير.
وروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ تمثَّل له يعقوب، فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
الثالث : قالوا : إنَّه سمع في الهواء قائلاً : يا بْنَ يعقوب، لا تكن كالطَّير له ريش، فإذا زنا ذهب ريشه.
الرابع : نقلوا عن ابن عباس أن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم ينزجر بكلامِ يعقوب حتى ركضه جبريلُ، فلم يبقَ به شيءٌ من الشَّهوة إلا خرج.
قال ابنُ الخطيب :" ولما ذكر الواحديُّ هذه الروايات تصلف وقال : هذا الذي ذكرنا قول أئمَّة التَّفسير الذين أخذوا التَّأويل عمن شاهدوا التنزيل فيقال له : إنَّك لا تأتينا ألبتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها، فأين هذا من الحجة والدليل الذي ذكرناه، وأيضاً : فإن ترادف الدلائل على الشَّيء الواحد جائزٌ وإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان ممتنعاً من الزِّنا بحسب الدَّلائل الأصلية، فلما انضاف إليها هذه الزَّواجِر ازدادت قوةً.
وأيضاً : روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام امتنع من دخول حجرة النبي المختار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بسبب وقع هناك بغير علمه ؛ قالوا : فامتنع جبريل عليه السلام من الدخول [عليه] أربعين يوماً، وههنا زعموا أنَّ يوسف حين اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبريل، والعجب أيضاً أنَّهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبريل ـ عليه السلام ـ، ولو أنَّ أفسق الخلق، وأكفرهم كان مشتغلاً بفاحشة، فإذا دخل عليه رجلٌ في زِيّ الصَّالحين استحى منه ؛ وترك [ذلك] العمل وهاهنا يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ عضّ على أنامله، فلم يلتفت، ثمَّ إنَّ جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ على جلالة قدره دخل عليه، فلم يمتنع أيضاً عن ذلك القبيح بدخوله حتى احتاج جبريل إلى أن ركضه على ظهره ".
٦٨
فنسأل الله أن يصوننا عن الغي في الدين، الخذلان في طلب اليقين.

فصل والفرق بين السوء، والفحشاء من وجهين : الأول : أنَّ السوء : جناية اليد، والفحشاء : الزِّنا.


الثاني : السُّوء : مقدمات الفاحشة من القُبلةِ، والنَّظر بالشَّهوة.
والفحشاءُ : هو الزنا.
قوله :" وكَذلِكَ " في هذه الكاف أوجه : أحدها : أنَّها في محل نصبٍ، وقدَّره الزمشخريُّ مثل ذلك التَّثبيتِ ثبَّتناه.
وقدَّرهُ الحرفيُّ أريناه البراهين بذلك، وقدَّره ا بنُ عطيَّة : جرت أفعالنا، وأقدارنا كذلك، وقدره أبو البقاء : نراعيه كذلك.
الثاني : أن الكاف في محل رفع، فقدَّره الزمخشريًّ، وأبو البقاء : الأمر مثل ذلك، وقدَّره أبنُ عيطةك عصمته كذلك.
وقال الحوفيُّ : أمر البراهين بذلك ثمَّ قال : والنصب أجودُ لمطالبة حروف الجرّ للأفعال أو معانيها.
الثالث : أنَّ في الكلام تقديماً، وتأخيراً، وتقديره : همَّت به، وهمَّ بها كذلك ثم قال : لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه ما هم بها هذا نص ابن عطيَّة.
وليس بشيءٍ ؛ إذْ مع تسليم جوازِ التَّقديم، والتَّأخير لا معنى لما ذكره.
قال أبو حيَّان : وأقولُ : إنَّ التقديرك مثل تِلْك الرُّؤية، أو مثل ذلك الرَّأي نري براهيننا، لنصرف عنه، فتجعل الإشارة إلى الرَّأي، أو الرُّؤيةِ، والنَّاصب الكاف مما دل عليه قوله :﴿لَوْلا اا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، و " لِنَْرفَ " متعلق بذلك الفعل النَّاصب للكاف، ومصدر " رَأى " " رُؤيةٌ ورأيٌ " ؛ قال :[الرجز] ٣٠٦٧ـ ورَأيُ عَيْنَيَّ الفَتَى أبَاكَا
[يُعْطِي الجَزيلَ فعَليْكَ ذَاكَا]
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٥٥
وقرأ الاعمش " ليَصْرِفَ " بياء الغيبةِ، والفاعل هو الله ـ سبحانه وتعالى، قوله تعالى :﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ قرأ هذه اللفظة [حيث وردت] إذا كانت معرفة بأل مكسورة
٦٩


الصفحة التالية
Icon