قيل : هو من متك، بمعنى بَتَكَ الشيء، أي : قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء، وهو بدلٌ مطردٌ في لغة قومٍ، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقتم هذه.
وقيل : بالضمِّ : العسلُ الخالصُ عند الخليل، والأترجُّ عند الأصمعيِّ، ونقل أبو عمرو فيه اللغات الثلاث ؛ أعني : ضمَّ الميم، وفتحها، وكسرها، قال : وهو الشرابُ الخالصُ.
وقال المفضلُ : هو بالضم : المائدة، أو الخمر، في لغة كندةن وقال ابن عباس : هو الأترجُّ بالحبشة، وقال الضحاك : الزَّمَاوْرَد، وقال عكرمةك كل شيء يقطع بالسكين.
٨٢
وقوله :" لهُنَّ مُتَّكَئاً " إما أن يريد : كُلَّ واحدةٍ متكئاً ؛ ويدلُّ له قوله :﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً﴾، وإما أن يريد : الجِنْسَ.
والسِّكينُ : تذكرُ وتؤنث، قاله الكسائي : والفراء، وأنكر الأصمعي تأنثه، والسكِّينةُ : فعلية من السكون، قال الراغب : سُمي به لإزالة حركةِ المذبُوحِ بهِ، فقوله :" وأتتْ "، أي : أعطتْ ﴿كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً﴾، إما لأجل الفواكه، أو لأجل قطع اللحم، ثم أمرت يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن يخرج عليهن، وأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما قدر على مخالفتها ؛ خوفاً منها.
﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾، الظاهرُ أنَّ الهاء ضميرُ يوسف، ومعنى " أكْبَرنَهُ " أعظمنهُ، ودهشن من حسنه، وقيل : هي هاءُ السكتِ ؛ قال الزمخشري.
وقيل :" أكْبَرْنَ " بمعنى : حِضْنَ، والهاءُ للسَّكتِ ؛ يقال : أكبرت المرأةُ : إذا حاضتْ، وحقيقته : دخلت في الكبرِح لأنها بالحيض تخرج عن حدَّ الصِّغر إلى الكبرِ ؛ فإنَّ أبا الطَّيب ـ رحمه الله ـ أخذ من هذا التفسير قوله :[الطويل] ٣٠٨٩ـ خَفِ الله واسْترْ ذَا الجَمالَ بِبُرقُعٍ
فإنّْ لُحْتَ حاضتْ في الخُدورِ العَواتِق
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٧٧
وكون الهاء للسَّكتِ، يردُّه ضم الهاءِ، ولو كانت للسكتِ، لسكنتن وقد يقال : إنه أجراها مجرى هاء الضمير، وأجرى الوصل مجرى الوقف في إثباتها.
قال أبو حيَّان رحمه الله :" وإجماع القراء على ضم الهاء في الوصل، دليلٌ على أنها ليست هاء السَّكت، إذا لو كانت هاء السَّكت، فكان من أجرى الوصل مجرى الوقف لم يضمّ الهاء ".
قال شهابُ الدِّين :" وهاءُ السَّكت قد تحرك بحركةِ هاء الضمير ؛ إجراءً لها مجراها "، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في الأنعامِ، وقد قالوا ذلك في قول المتنبيّ أيضاً :[البسيط]
٣٠٩٠ـ واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبهُ شَبِمُ
قإنه رُوي بضم الهاء في " قَلْبَاهُ "، وجعلوها هاء السَّكتن ويمكن أن يكون " أكْبَرْنَ " بمعنى حضن، ولا تكون الهاء للسكت ؛ بل تجعل ضميراً للمصدر المدلول عليه بفعله، أي : أكبرن الإكبار، وأنشدوا على أنَّ الإكبار بمعنى الحيضِ، قوله [البسيط] ٣٠٩١ـ يَأتِي النِّساءَ على أطْهَارِهنَّ وَلاَك
يَأتِي النِّساءً إذَا أكْبَرْنَ إكْبَارَا
٨٣
قال الطبريُّ : البيت مصنوعٌ.
فصل في صفة يوسف الخلقية روى أبو سعيد الخدريُّ رضي الله عنه : قال : قال رسول الله ﷺ :" رَأيْتُ ليلةُ أسْرِيَ بِي إلى السَّماء يُوسفَ، كالقَمرِ ليْلةَ البَدْرِ ".
وقال إسحاقُ بنُ أبي فروة :" كان يوسفُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا سَار في أزِقََّةِ مِصر يُرى تَلألُوء وجْههِ على الجُدرانِ، كمَا يُرَى نُورُ الشَّمس في الماءِ عَليْهَا ".
وقال عليه الصلاة والسلام ـ في حديث الإسراء :" فَمَررْتُ بيُوسفَ فإذَا هُوَ قَدْ أعْطِي شَطْرَ الحُسنِ ".
قال العلماءُ ـ رضي الله عنهم ـ : معناه أنه كان على النِّصفِ من حسن آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قال أبو العالية :" هَالهُنّ أمره إنَّهُن من دهْشتهِنَّ، وحيْرتِهنَّ ؛ قطَّعن أيْديهُنَّ، وهُنَّ يَحْسبنَ أنَّهن يقطِّعْنَ الأرتجَ، ولم يجدن الألَم ؛ لشغلِ قلوبهنَّ بيوسف ".
وقال مجاهدٌ : ما أحْسَسْنَ إلا بالدَّمِن وذلك كنايةٌ عن الجرحِ، لا أنَّهن ابنَّ أيديهنَّ، كما قال قتادة.
وقيل : إنهن لما دهشن، صارت المرأةُ منهن بحيثُ لا تميز نصاب السِّكين من حديدها ؛ فكانت تأخذُ الجانب الحادِّ من تلك السكينة بكفِّها ؛ فكان تحصل تلك الجراحةُ بكفها.
٨٤


الصفحة التالية
Icon