وجمعه كذلك يقوي كونه جامداً، إذ يصيرُ كرغيب، وأرغِفَة.
وقال البغويُّ : النَّجِي يصلحُ للجماعة، كما قال ههنا، وللواحد كما قال :﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ [مريم : ٥٢] وإنما جاز للواحد والجمع ؛ لأنه مصدر جعل نعتاً كالعدل، ومثله النَّجوى يكونُ اسماً، ومصدراً، قال تعالى ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ﴾ [الإسراء : ٤٧] أي : مُتنَاجِين، وقال ـ حل ذكره ـ ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ﴾ [المجادلة : ٧] وقال في المصدر ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [المجادلة : ١٠].
قال ابن الخطيب :" وأحسنُ الوجوه أن يقال : إنَّهم تمحَّضُوا تناجياً ؛ وأنَّ من كمل حصول أمرٍ من الأمُورِ فيه وصف بأنَّه صار غير ذلك الشَّيء فلما أخذوا في التَّناجي على غاية الجدِّ ؛ صاروا كأنهم في أنفسهم صاروا نفس التَّناجِي في الحقيقة ".
" قالَ كَبيرُهمْ " في العقل، والعلم لا في السنِّ، وهو " يَهُوذَا "، قاله ابن عباسٍ، والكلبي.
وقال مجاهدٌ : شمعون، وكانت له الرِّئاسةُ على إخوته.
وقال قتادة، والسديُّ، والضحاك : وهو روبيلُ، كان أكبرهم في السنِّ، وهو الذي نهاهم عن قتل يوسف ـ عليه السلام ـ.
﴿أَلَمْ تَعْلَمُوا ااْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً﴾ : عهداً :﴿مِّنَ اللَّهِ﴾، وأيضاً : نحنُ متَّهمُونَ بواقعة يوسف.
قوله ﴿وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ﴾ في هذه الآية وجوه ستة : أظهرها : أنَّ " مَا " مزيدة فيتعلَّق الظَّرف بالعفل بعدها، والتقدير : ومن قبل هذا فرَّطتم، أي : قصَّرتم في حقِّ يوسف، وشأنه، وزيادة " مَا " كثيرة، وبه بدأ الزمخشري وغيره.
الثاني : أن تكون " مَا " مصدرية في محلِّ رفع بالابتداء، والخبر الظَّرف المتقدم قال الزمخشريُّ : على أنَّ محل المصدر الرَّفع بالابتداء، والخبر الظرف وهو " مِنْ قَبْلُ "،
١٧٩
والمعنى : وقع من قبل تفريطكم في يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلى هذا نحا ابنُ عطيَّة أيضاً فإنَّه قال : ولا يجوز أن يكون قوله :" مِنْ قَبْلُ " متعلقاً بـ :" مَا فَرَّطْتُمْ "، وأنَّ " مَا " تكون على هذا مصدرية، والتقدير : ومن قَبْلِ تفريطكم في يوسف واقعٌ، أو مستقرٌ وبهذا المقدر يتعلق قوله :" مِنْ قَبْلُ ".
قال أبو حيَّان : هذا وقول الزمخشريُّ راجعان إلى معنى واحد، وهو أن " مَا فرَّطتُمْ " يقدَّرُ بمصدرٍ مرفوع بالابتداء، و :" مِنْ قَبْلُ " في موضع الخبر وذهلا عن قاعدة عربيَّة، وحقَّ لهما أن يذهلا ـ وهي أنَّ هذه الظروف التي هي غايات إذا بُنيت لا تقع أخباراً للمبتدأ جرَّت، أو لم تجرَّ، تقول : يومُ السَّبت مُباركٌ والسَّفر بعدهُ، ولا تقول : والسَّفر بَعد و " عَمْرٌو وزيْدٌ خَلفهُ " ولا يجوز : عمرٌو وزيدٌ خلف، وعلى ما ذكراه يكون :" تَفْريطُكُم " مبتدأ، و " مِنْ قَبْلُ " خبر وهو مبنيُّ وذلك لا يجوز، وهو مقررٌ في علم العربيِّة ".
قال شهابُ الدِّين :" قوله :" وحُقًّ لهُمَا أنْ يَذْهَلا " تحامل على هذين الرجلين، وموضعهما من العلم معروفٌ، وأمَّا قوله :" إنَّ الظرف المقطوع لا يقعُ خبراً "، فمسلَّم، قالوا : لأنَّه لا يفيد، وما لا يفيد، لا يقع خبراً، ولذا لا يقع صفة، ولا صلة، ولا حالاً والآية الكريمةُ من هذا القبيل لو قلت :" جاء الذي قبل " أو " مررت برجل قبل " لم يجز لما ذكرت.
ولقائلٍ أن يقول : إنَّما امتنع ذلك ؛ لعدم الفائدة، وعدم الفائدة لعدم العلم بالمضافِ إليه المحذوف، فينبغي إذا كان المضاف إليه معلوماً مدلولاً عليه أن يقع ذلك الظَّرف المضاف إلى ذلك المحذوف خبراً، وصفة، وصلة، وحالاً والآية الكريمة من هذا القبيل، أعني ممَّا علم فيه المضاف إليه كما مرَّ تقريره ".
ثمَّ هذا الرَّد الذي ردّ به أبو حيَّان سبقه إليه أبو البقاءِ، فقال :" وهذا ضعيف ؛ لأن " قَبْل " إذا وقعت خبراً أو صلة لا تقطع عن الإضافة لئلا تبقى ناقصة ".
الثالث : أنها مصدرية أيضاً، في محل رفع بالابتداء، والخبر هو قوله " فِي يُوسفَ " أي : وتفريطكم كائن، أو مستقر في يوسف، وإلى هذا ذهب الفارسي كأنه استشعر أن الظرف المقطوع لا يقعُ خبراً ؛ فعدل إلى هذا، وفيه نظر ؛ لأنَّ السِّياق، والمعنى يجريان إلى تعلق :" فِي يُوسفَ " بـ " فَرَّطْتُمْ "، فالقولُ بما قاله الفارسي يؤدِّي إلى تهيئة العامل [للعمل]، وقطعه عنه.
الرابع : أنَّها مصدرية أيضاً، ولكن محلها النَّصب على أنَّها منسوقة على " إنَّ أباكُمْ قد أخَذَ " أي : ألم تعلموا أخذ أبيكم الميثاق، وتفريطكم في يوسف.
١٨٠