قال الزمخشري :" كأنه قيل : ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً، وتفريطكم من قبل في يوسف " وإلى هذا ذهب ابن عطية أيضاً.
قال أبو حيَّان :" وهذا الذي ذهبا إليه ليس بجيِّد ؛ لأنَّ فيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف الذي هو حرفٍ واحدٍ، وبين المعطوف ؛ فصار نظير : ضَربْتُ زيداً، وبِسَيفٍ عمراً، وقد زعم الفارسيُّ أنه لا يجوز ذلك إلاَّ في ضرورة الشِّعر ".
قال شهابُ الدِّين : هذا الرَّدُّ سبقه إليه أبُو البقاءِ، ولم يرتضه وقال :" وقيل : هو ضعيفٌ ؛ لأنَّ فيه الفصل بين حرفِ العطفِ، والمعطوفِ، وقد بينا في سورة النِّساء أن هذا ليس بشيء ".
قال شهاب الدين :" يعني أنَّ منع الفصل بين حرفِ العطفِ، والمعطوفِ ليس بشيءِ، وقد تقدَّم إيضاحُ هذا، وتقريره في سورة النساء، كما أشار إليه أبو البقاء ".
ثمَّ قال أبو حيَّان :" وأمَّا تقديرُ الزمخشري : وتفريطكم من قبل في يوسف ؛ فلا يجوز ؛ لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل لحرف مصدري، والفعل عليه، وهو لا يجوز ".
وقال شهابُ الدِّين :" ليس في تقدير الزمخشريِّ شيء من ذلك ؛ لأنَّه لمَّا صرح بالمقدر أخَّر الجارين، والمجرورين عن لفظ المصدر المقدَّر كما ترى، وكذا هو في سائر النسخ، وكذا ما نقله عنه الشيخ بخطهِ، فأين تقديمُ المعمولِ على المصدر ولو رد عليه، وعلى ابن عطيَّة بأنه يلزمُ من ذلك تقديمُ معمولِ الصِّلةِ على الموصول لكان ردًّا واضحاً، فإنَّ :" مِنْ قَبْلُ " متعلق ـ " فَرَّطْتُمْ "، وقد تقدَّم الكلامُ على ما المصدرية، وفيه خلافٌ مشهورٌ ".
الخامس : أن تكون مصدرية أيضاً، ومحلها النصب عطفاً على اسم :" أنَّ " أي : ألم تعلموا أنَّ أباكم، وأن تفريطكم من قبل في يوسف، وحينئذٍ يكون في خبر " أنَّ هذه المقدرة وجهان : أحدهما : هو :" مِنْ قَبْلُ ".
والثاني : هو " فِي يُوسَفُ " واختاره أبو البقاء، وقد تقدَّم ما في كلِّ منهما، ويردُّ على هذا الوجه الخامس ما ردَّ به على ما قبله من الفصل بين حرف العطف، والمعطوف، وقد عرف ما فيه.
السادس : أن تكون موصولة اسمية، ومحلُّها الرفع، والنَّصب علكى ما تقدَّم في المصدريَّة.
١٨١
قال الزمخشريُّ : يعنى ومن قبل هذا ما فرطتموه، أي : قدَّمتموهُ في حقِّ يوسف من الجنايةِ، ومحلُّها الرَّفع، أو النَّصب على الوجهين.
يعنى بالوجهين رفعها بالابتداء، وخبرها " مِنْ قبل "، ونصبها على مفعولِ " ألمْ تَعْلمُوا "، فإنَّهُ لم يذكر في المصدرية غيرهما، وقد تقدَّم ما اعترض به عليهما، وما قيل في جوابه.
فتحصل في " مَا " ثلاثة أوجه : الزيادة، وكونها مصدرية، أو بمعنى الذي، وأن في محلها وجهين : الرفع، أو النصب.
قوله تعالى :﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ﴾ برح هنا تامة، ضمنت معنى أفارقُ فـ :" الأرْضَ " معفول به، ولا يجوز أن تكون تامَّة من غير تضمين ؛ لأنها إذا كانت كذلك ؛ كان معناها : ظهر أو ذهب، ومنه : بَرحَ الخفاءُ، أي : ظهر، أو ذهب، ومعنى الظهور لا يليق، والذهابُ لا يصلُ إلى الظَّرف المخصوص إلاَّ بواسطةِ " في " : تقول :" ذَهَبْتُ في الأرضِ " ولا يجوز ذهبتُ الأرْضَ، وقد جاء شيءٌ لا يقاس عليه.
وقال ابو البقاء :" ويجوز أن يكون ظرفاً ".
قال شهابُ الدِّين :" يحتمل أن يكون سقط من النُّسخِ لفظ " لاَ "، كان :" ولا يجوز أن يكون ظرفاً ".
واعلم أنه لا يجوز في " أبْرَحَ " هنا أن تكون ناقصة ؛ لأنَّه لا ينتظم من الضمير الذي فيها، وما " من الأرض " مبتدأ أو خبرٌ، ألا ترى أنَّك لو قلت : أنَا الأرض لم يجز من غير " فِي " بخلاف " أنَا في الأرْضِ وزيدٌ في الأرْضِ ".
قوله :﴿أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ﴾ في نصبه وجهان : أظهرهما : عطفه على :" يَأذَنَ ".
والثاني : أنه منصوبٌ بإضمار " أنْ " في جواب النَّفي، وهو قوله :﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ﴾ أي : لنْ أبْرحَ الأرْضَ إلاَّ أن يحكم، كقولهم : لالزَمنَّكَ أوْ تَقْضِيَنِي حقِّي، أي : إلا أن تَقْضِيَنِي.
قال أبو حيَّان :" ومَعْنَاهُ ومعنى الغية مُتقَارِبَان ".
١٨٢


الصفحة التالية
Icon