والباقون بهمزتين استفهاماً، وقد تقدَّم قراءتهم في هاتين الهمزتين تخفيفاً، وتسهيلاً وغير ذلك، فأمَّا قراءة ابن كثير، فيحتمل أن تكون خبراً محضاً واستبعد هذا من حيث تخالف القراءتين مع أنَّ القائل واحد.
وقد أجيب عن ذلك بأنَّ بعضهم قاله استفهاماً، وبعضهم قاله خبراً، ويحتمل أن يكون استفهاماً حذف منه الأداة لدلالة السِّياق، والقراءة الأخرى عليه، وقد تقدَّم نحو هذا في الإعراب.
وقرأ أبيّ (أَوَأَنْتَ يوسف) فمن قرأ بالاستفهما قالوا : إنَّ يوسف لما قال لهم :﴿هل علمتم ما فعلتم﴾ تبيَّنوا يوسف، فأبصروا ثناياه كاللّؤلؤ المنظُوم.
وروى الضحاكُ عن ابنِ عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ لما قال هذا القول تبسَّم فرأوْا ثناياه كاللّؤلؤن فشبهوه بيوسف، ولم يعرفوه، فقالوا استفهاماً :﴿أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ ويدلُّ على أنه استفهام قوله :" أنَا يُوسفُ "، وإنَّما أجابهم عما اسْتَفْهَمُوا عنه، ومن قرأ على الخبر فحجته ما روى الضحاك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّه قال : إنَّ أخوة يوسف لم يعرفوه حتّى وضع التَّاج عن رأسه، كان في قرنه شامة وكان لإسحاق، ويعقوب مثلها تشبه التَّاج عرفوه بتلك العلامة.
وقال ابن إسحاقك " كان يتكلَّم من وراء ستر، فلما قال :﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ﴾ رفع الحجاب فعرفوه " وقيل : قالوه على التَّوُّهمِ.
" واللام في :" لأنْتَ " لام الابتداء، و " أنْتَ " مبتدأ، و " يُوسفُ " خبره والجملة خبر " إنَّ " ويجوز أن تكون " أنْتَ " فصلاً، ولا يجوز أن يكن تأكيداً لاسم " إنَّ " لأنَّ هذه اللام لا تدخل على التوكيد ".
وقرأ أبي :(أئنك أو أنت يوسف) وفيها وجهان : أحدهما : قال أبُوا الفتح : إنَّ الأصل : أئنك لغير يوسف، أو أنت يوسف فحذف خبر " إن " لدلالة المعنى عليه.
والثاني : ما قاله الزمخشريُّ : المعنى : أئنَّك يوسف، أو أنت يوسف فحذف الأول لدلالته، وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع، فهو يكرِّر الاستثبات فقال :﴿أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـاذَا أَخِي﴾ وإنَّما صرَّح بالاسم تعظيماً لما نزل به من ظلم إخوته، وما عوضه الله من الظَّفر والنَّصر، فكأنه قال : أنا الذي ظلمتموني على أعظم الوجوه، والله أوصلني إلى أعظم المناصب، أنا ذلك العاجزُ الذي قصدتم قتله، وإلقاءه في الجبِّ، ثمَّ صرتُ كما ترون، ولهذا قال :" وهَذا أخِي " مع أنَّهم كانوا يعرفونه ؛ لأن مقصوده أن يقول : وهذا أيضاً كان مظلوماً كما كنت، ثم إنه صار منعماً عليه من قبل الله كما ترون.
﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ
٢٠١
عَلَيْنَآ﴾ قال ابنُ عباسٍ ـ رضي الله عنه ـ بكلِّ عزِّ في الدنيا والآخرة..
وقيل : بالجمع بيننا بعد الفرقة.
قوله :﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ﴾ قرأ قنبل " يتقي " بإثبات الياء وصلاً ووقفاً، والباقون بحذفها فيهما.
فأمَّا قراءة الجماعة فواضحة ؛ لأنَّه مجزومٌ، وأمَّا قراءة قنبلٍ، فاختلف فيها النَّاس على قولين : أحدهما : أنَّ إثبات حرف العلَّة في الجزم لغة لبعض العرب ؛ وأنشدوا :[الوافر] ٣١٤٥ـ أَلَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي
بِمَا لاقَتْ لبُونُ بَنِي زِيَادِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ١٩٧
وقول الآخر :[البسيط] ٣١٤٦ـ هَجَوْتَ زبَّات ثُمذَ جِئتَ مُعْتَذِراً
مِنْ هَجْوِ زبَّان لَمْ تَهْجُوا ولَمْ تَدعِ
وقول الآخر :[الرجز] ٣١٤٧ـ إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطلِّقِ
ولا تَرضَّاهَا ولا تَملَّقِ
وقول الآخر :[الرجز] ٣١٤٨ـ إنِّي إذَا مَا ما القَوْمُ كَانُوا أنْجِيَهْ
واضْطَربَ القَوْمَ اضطرابَ الأرْشِيَهْ
هُنَاكَ أوْصِينِي ولا تُوصِي بِيَهْ ومذهب سيبويه : أنَّ الجازم بحذف الحركة المقدرة، وأنَّما تبعها حرف العلَّة في الحذف تفرقة بين المرفوع، والمجزوم.
واعترض عليه : بأنَّ الجازم يبين أنَّه مجزوم، وعدمه يُبيِّنُ أنه غيرُ مجوزم.
وأجيب : بأنه ف بعض الصُّورِ يلتبس فاطرد الحذف، بيانه : أنَّك إذا قلت " زُرْنِي أعْطِتكَ " بثبوت الياءِ، احتمل أن يكون " أعْطِيكَ " جزاء الزيارة، وأن يكون خبراً مستأنفاً، فإذا قلت :" أعْطِكَ " بحذفها تعين أن يكون جزاء له ؛ فقد وقع اللَّبس بثبوت حرف العلِّة،
٢٠٢