جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٠٨
ومنه : أفْنَدَ الدَّهرُ فلاناً ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٣١٥١ـ دَِ الدَّهْرُ يَفْعَلُ ما أرَاد فإنَّهُ
إذَا كُلِّفَ الإفْنادَ بالنَّاسِ أفْنَدا
والفَنَدُ : الفسادُ ؛ قال النابغة :[البسيط] ٣١٥٢ـ إلاَّ سُليْمان إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ
قُمْ فِي البَريِّيةِ فاحْدُدْهَا عنِ الفَندِ
والفِنْدُ : شمراخ :" يقالُ : شَيْخٌ مفنَّدٌ، ولا يقال : عجُوزٌ مُفنَّدة ؛ لأنَّها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفنَّد في كبرها وهو غريبٌ ".
وجواب " لَوْلاَ " الامتناعية محذوفٌ، تقديره : لصَدَّقْتُمونِي ويجوز أن يكون تقديره : لأخبرتكم.
قال ابنُ الأنباريّ :" أفْنَدَ الرَّجلُ : إذا انْحَرفَ، وتغيَّر عَقْلهُ، وفند إذا جهل ونسب ذلك إليه ".
وعن الأصمعيِّ قال : إذا كثر كلامٌ الرَّجلِ من خرفٍ فهو الفَنَد والتَّفنيد.
فصل قال المفسرون :" لَوْلاَ أن تُفنِّدُون " تسفهون، وعن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنه ـ : تَجْهلُون، وقال الضحاك : تَهْرَمُون، تقولون : شَيْخٌ كبيرٌ قد خرفَ، وذهب عقلهُ.
٢٠٩
" قَالُوا " : يعني أولاد أولاده ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ﴾ أي في ذهاب عن طريق الصَّواب.
وقال ابن عبَّاس، وابن زيدٍ، لفي خطئك الماضي من حُبِّ يوسف لا تنساه.
وقال مقتالٌ الضَّلالُ هنا الشَّقاءُ، يعني : شقاء الدُّنيا، أي : إنَّك في شقائك القديم بما تُكَابدُ من الأحزان على يوسف.
وقال قتادة : لفي حُبِّك القديم لا تنساه، ولا تذهل عنه، قال قتادة : لقد قالوا كلمة [غليظة] لم يجز قولها لنبي الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقال الحسن : إنَّما خاطبوه بذلك، لاعتقادهم أنَّ يوسف قد مَاتَ.
﴿فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ﴾ وهو المبِّر، في موضع :" أنْ " قولان : أحدهما : لا محلَّ لها من الإعراب، فقد تذكَّر تارة كما هنا، وقد تحذف كقوله :﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ [هود : ٧٤].
والثاني : قال البصريُّون : هي في موضع رفعٍ بفعلٍ تقديره : فلمَّا ظهر أن جاء البشر أي : ظهر على البشير ؛ فأضمر الرَّافع.
وقال جمهورُ المفسِّيرين البشيرُ هو يهوذا قال : أنا ذهبتُ بالقميص مُلطَّخاً بالدَّم، وقلت : إنَّ يوسف أكلهُ الذِّئبُ، فأذهب اليوم بقميصه، وأخبره أنه حي فأفرحهُ كما أحزنته، وقيل : البشيرُ مالكُ بنُ دُعْرٍ.
قوله :" ألقاهُ " الظَّاهرُ أنَّ الفاعل هو ضمير البشير، وقيل : هو ضمير يعقوب وفي " بَصِيراً " وجهان : أحدهما : حال، أي : يرجع في هذا الحال.
والثاني : أنَّه خبرها ؛ لأنَّها بمعنى صار عند بعضهم، و " بَصِيراً " من بصُر بالشيء كـ " ظَرِيف " من " ظَرُفَ ".
وقيل : هو مثالُ مبالغةٍ، كـ " عَلِيم " وفيه دلالة على أنَّه لم يذهب بصره بالكلِّية ومعنى الارتداد : انقلابُ الشَّيء إلى حالٍ كان عليها.
وقوله :﴿فَارْتَدَّ بَصِيراً﴾ أي صيَّرهُ اللهُ بصيراً، كما يقال : طالت النَّخلة والله أطالها.
قال بعضهم : إنه كان قد عمي بالكلية، فجعله اللهُ بصيراً في هذا الوقت.
٢١٠