ونقل أبو البقاء :" أنه قرىء مشدّداً مبنياً للفاعل، وأوله : بأن الرسل ظنّوا أن الأمم قد كذبوهم ".
وقال الزمخشري بعد ما حكى قراءة المبني للفاعل :" ولو قرىء بها مشددة لكان معناه : وظن الرسل أن قومهم قد كذَّبُوهم فيما وعدوهم " فلم يحفظها قراة، وهي غريبة، وكان قد جوَّز في القراءة المتقدمة : أن الضَّمائر كلَّها تعود على الرُّسل، وأن يعود الأول على المرسل إليهم وما بعده على الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدَّثوا به قومهم من النُّصرة : إمَّا على تأويل ابن عبَّاس، وإمَّا على أنَّ قومهم إذا لم يروا لموعدهم أثراً، قالوا لهم : قد كذبتمونا، فيكونون كاذبين عند قومهم، أي : وظنَّ المرسل إليهم أنَّ الرسل قد كذبوا ".
وقوله " جَاءَهُمْ " : جواب الشِّرط، وتقدَّم الكلام في " حتَّى " هذه ما هِي ؟.
أي : لمَّا بلغ الحال إلى الحدِّ المذكور ؛ جاءهم نصرنا.
فإن قيل : لم يجر ذكر المرسل إليهم فيما سبق، فكيف يحسن عود الضَّمير إليهم ؟.
فالجواب : ذكر الرسل يدلُّ على ذكر المرسل إليهم، أو يقول : إن ذكرهم جرى في قولهم :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ ويكون الضمير عائداً عل الذين من قبلهم، من مكذِّبي الرسل.
قوله :﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ قرأ عاصمٌ، وابن عامر بنون واحدة، وجيم مشددة، وياء مفتوحة ؛ على أنَّه فعلٌ ماضي مبنيٌّ للمفعول، و " مَنْ " : قائمة مقام الفاعل، والباقون بنونين ثانيتهما ساكنة والجيم خفيفة، والياء الساكنة على أنه مضارع أنْجَى، و " مَنْ " مفعوله، الفاعل ضمير المتكلم المعظم نفسه على الاستقبال، على معنى : فنفعل بهم ذلك، وهه حكاية حالٍ، ألا ترى أنَّ القصَّة فيما مضى، وإنَّما حكى الحالح كقوله تعالى ﴿هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَاذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص : ١٥] إشارة إلى الحاضر، والقصَّة ماضية.
وقرأ الحسن، والجحدريُّ، ومجاهد في آخرين كقراءة عاصم، إلا أنَّهم سكَّنوا الياء، والأجود في تخريجها ما تقدَّم، وسكِّنت الياء تخفيفاً، كقراءة :﴿تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة : ٨٩] وقد سكِّن الماضي الصَّحيح، فكيف بالمعتلِّ ؟ كقوله :[مجزوء الرمل]
٢٢٩
٣١٥٧ـ................
قَدْ خُلِطْ بِجُلْجُلانْ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٢٥
وتقدم من أمثاله.
وقيل : الأصل " نُنْجِي " بنونين ؛ فأدغم النون في الجيم، وليس بشيء ؛ إذا النون لا تدغم في الجيم على أنَّه قد قيل بذلك في قوله :﴿نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء : ٨٨] كما سيأتي بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وقرأ جماعة كقراءة الباقين إلا أنَّهم فتحوا الياء، قال ابن عطيَّة :" رواها ابن عبيرة، عن حفص، عن عاصم، وهي غلط من ابن هبيرة ".
قال شهابُ الدِّين :" توهَّم ابن عطيِّة أنه مضارع باقٍ على رفعة، فأنكر فتح لامه وغلَّط راويها، وليس بغلط ؛ وذلك أنه إذا وقع بعد الشرط والجزاء معاً مضارع مقرون بالفاء، جاز فيه أوجه : أحدهما : نصبه بإضمار " أن " بعد الفاء، وقد تقدَّم عند قوله :﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة : ٢٨٤] إلى أن قال :" فَيَغْفِر " قرىء بنصبه، وقد تقدم توجيهه، ولا فرق بين أن تكون أداة الشرط جازمة كآية البقرة، أو غير جازمة كهذه الآية.
وقرأ الحسن أيضاً " فنُنَجِّي " بنونين، والجيم مشددة، والياء ساكنة مضارع " نَجَّى " مشددة للتكثير، وقرأ هو أيضاً ونصر بن عاصم، وأبو حيوة :" َفَنَجَا " فِعْلا ماضياً مخففاً، و " مَنْ " فاعله.
ونقل الدَّاني : أنه قرأ لابن محيصن كذلك، إلا أنه شدِّد الجيم، والفاعل ضمير النَّصر، و " مَنْ : مفعوله، ورجح بعضهم قراءة عاصم ؛ بأن المصاحف اتفقت على كتبها " فَنُجِّيَ " بنون واحدة، نقله الداني، ونقل مكي : أن أكثر المصاحب عليها، فأشعر هذا بوقوع الخلاف في الرَّسم، ورجَّح أيضاً : بأنَّ فيها مناسبة لما قبلها من الأفعال الماضية، وهي جارية على طريقة كلام الملوك والعظماء، منحيث بناء الفعل [للمعفول].
وقرأ أبو حيوة :" يَشَاءُ " بالياء، وتقدَّم أنه قرأ " فَنَجَا "، أي : فنجا من يشاء الله نجاته، وهم المؤمنون المطيعون.
٢٣٠
قوله :﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا﴾ : عذابنا، وقرأ الحسن " بَأسهُ " والضمير لله، وفيها مخالفة للشواذُ، " عَنِ القومِ المُجْرمينَ " أي : المشركين.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٢٥