سورة الرعد
مكية، إلا قوله تعالى :﴿ولا يزال الذين كفروا﴾ [الآية : ٣١] وقوله تعالى :﴿ويقول الذين كفروا لست مرسلا﴾ [الآية : ٤٣] إلى آخرها.
وقال الكلبي، ومقاتل : هي مدنية، وقال ابن عباس والأصم : هي مدنية إلا قوله تعالى :﴿ولو أن قرءانا سيرت به الجبال﴾ [الآية : ٣١].
وهي ثلاثة وأربعون آية، وعدد كلماتها ثمانمائة وخمس وخمسون كلمة، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة أحرف.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٣٠
قوله تعالى :﴿لامار تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ قال ابن عبَّاس : معناه أنا الله أعلمُ.
وقال أيضاً في رواية عطاءٍ : أنَا اللهُ الملكُ الرَّحمنُ.
وأمالها أبو عمرو والكسائي وفخمها عاصم، وجماعةٌ.
قوله ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾ يجوز في " تِلْكَ " أن تكون مبتدأ، والخبر " آيَاتُ "، والمشار إليه آيات السُّورةِ، والمراد بـ " الكِتَابِ " : السُّورةُ.
٢٣٤
وقيل : إشارة إلى ما قصَّ عليه من أنباء الرسل، وهذا الجملة لا محلَّ لها إن قيل : إن " المر " كلامٌ مستقلٌّ، أو قصد به مجرَّد التنبيه، وفي محل رفع على الخبر إن قيل :" المر " مبتدأ، ويجوز أن يكون " تِلْكَ " خبراً لـ " المر " و ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ بدل، أو بيان، وتقدم تقريرُ هذا أوَّل الكتابِ.
قوله :﴿وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ يجوز في أوجه : أحدها : أن يكون مبتدأ، و " الحَقُّ " خبره.
الثاني : أن يكون مبتدأ و " مِنْ ربِّكَ " خبره، وعلى هذا فـ " الحَقُّ " خبر مبتدأ مضمر، أي هو الحق.
الثالث : أن " الحَقَّ " خبر بعد خبرٍ.
الرابع : أن يكون " مِن ربِّك الحقُّ " كلاهما خبر واحد، قاله أبو البقاءِ، والحوفيُّ وفيه بعد، إذ ليس هو مثل :" حُلْوٌ حَامضٌ.
الخامس : أن يكون " الَّذي " صفة للكتاب.
قال أبو البقاءِ :" وادخلت الواو في لفظه، كما أدخلت في " النَّازِلينَ والطيبين " يعني أنَّ الواو تدخل على الوصف، والزمخشري يجيزهن ويجعل الواو في ذلك تأكيداً، وسيأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ في الحجر في قوله ﴿إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الحجر : ٤].
وقوله :(في النزالين والطيبين) يشير إلى بيت الخرنقِ بنت هفّان في مدحها لقومها :[الكامل] ٣١٦٠ـ لا يَبْعدَنْ قَوْمِي الَّذينَ هُمُ
سُمُّ العُداةِ وَآفةُ الجُزْرِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٣٤
النَّازِلينَ بِكُلِّ مُعتَركٍ
والطَّيبينَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ
فعطف " الطَّيبين " على " النَّازلينَ " وهما صفتان لقومٍ معينين، إلاَّ أن القوم بين الآية، والبيت واضحٌ، من حيث إنَّ البيت فيه عطف صفةٍ على مثلها، والآية ليست كذلك.
وقال أبو حيَّان : أن تكون الآية مما عطف [فيه] وصف على مثله، فقال : وأجاز الحوفي أيضاً أن يكون " والَّذِي " في موضع رفع عطفاً على " آيَاتُ "، وأجاز هو، وابن عطيَّة : أن يكون " والَّذي " في مضع خفضٍ، وعلى هذين الإعرابين، يكون " الحقُّ " خبر مبتدأ محذوف، أي : هو الحق، ويكون " والَّذي " ممَّا عطف فيه الوصفُ على الوصفِ، وهما لشيءٍ واحدٍ، كما تقول : جاءني الظريف العاقلُ، وأنت تريدُ شخصاً واحداً، من ذلك قول الشاعر :[المتقارب]
٢٣٥
٣١٦١ـ إلى المَلكِ القَرْمِ وابنِ الهُمَامِ
ولَيْثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحَمْ
قال شهابُ الِّدين : وأين الوصف المعطوف عليه ؛ حتى نجعله مثل ابيت الذي أنشده.
السادس : أن يكون " الَّذي " مرفوعاً نسقاً على " آيَاتُ : كما تقدَّمت حكايته عن الحوفي.
وجوَّز الحوفي أيضاً : أن يكون " الحقُّ " نعتاً لـ " الَّذي " حال عطفه على " آيَاتُ الكِتَابِ ".
فتلخَّص في " الحق " خمسة أوجه.
أنَّهُ خبرٌ أوَّل، أو ثان، أو هو ما قبله، أو خبراً لمبتدأ مضمر، أو صفة لـ " الَّذي " إذا جعلناه معطوفاً على " آيَاتُ ".
فصل قال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ : أراد بـ : الكِتابِ " القرآن ومعناه : هذه آيات الكتاب، يعني : القرآن، ثمَّ ابتدأ، وهذا القرآن ﴿وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ وهذا زجرٌ وتهديدٌ.
وقال مقاتلُ : نزلت في مشركي مكَّة حين قالوا : إنَّ محمداً ﷺ يقوله من تلقاء نفسه فردَّ قولهم.
فصل تمسَّك نفاةُ القياس بهذه الآية وقالوا : الحكمُ المستنبطُ بالقياس غير ما نزل من عند الله ـ تعالى ـ وإلاَّ لكان من لم يحكم به كافر، لقوله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة : ٤٤]، وبالإجماع لا يكفرُ، فثبت أنَّ الحكم المثبت بالقياس غير نازلٍ من عند الله ـ تعالى ـ، وإذا كان كذلك، وجب ألاَّ يكون حقًّا، وإذا لم يكن حقًّا، وجب أن يكون باطلاً، لقوله تعالى :﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾} [يونس : ٣٢] وأجيبك بأن الحكم المثبت بالقياس نازل أيضاً ؛ لأنَّه ـ تعالى ـ أمر العملِ بالقياسِ، فكان الحكمُ الَّذي دلَّ عليه القياس نازلاً من عند الله ـ تعالى ـ.
قوله تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [الآية : ٢] لما ذكر انَّ أكثر النَّاس لا يؤمنون، ذكر عقبهُ ما ديلُّ على صحَّة التَّوحيد، والمعاد، وهو هذه الآية.
قوله :" اللهُ " قال الزَّمخشريُّ :" اللهُ " مبتدأ، و ﴿الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ﴾ خبره بدليل
٢٣٦