قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ﴾ ويجوز أن يكون ﴿الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ﴾ صفة، وقوله :﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ خبراً ".
وقوله :" بِغَيْرِ عمدٍ " هذا الجار في محلِّ نصب على الحال من " السَّمواتِ " أي : رفعها خالية من عمدٍ، ثمَّ في هذا الكلام وجهان : أحدهما : انتفاء العمدِ، والرؤية جميعاً، أي : لا عمد ؛ فلا رؤية، يعني : لا عمد لها ؛ فلا ترى، وإليه ذهب الجمهور.
والثاني : أنَّ لهما عمداً، ولكنها غير مرئيَّة.
وعن ابن عبَّاسٍ : ما يدريك أنّضها بعمدٍ لا ترى، وإليه ذهب مجاهد وهذا قريب من قولهم :" مَا رأيتُ رجُلاً صالحاً "، ونحو :﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾ [البقرة : ٢٧٣] [الطويل] ٣١٦٢ـ على لا حِبٍ لا يُهْتَدَى بِمنَارِهِ
...................
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٣٤
وقد تقدَّم هذا، إذا قلنا : إنَّ " تَروْنَهَا " صفة أمَّا إذا قلنا : إنَّها مستأنفةٌ كما سيأتي ؛ فيتعيّن أن لا عمد لها.
والعامة على فتح العين، والميم، وهو اسم جمع، وعبارة بعضهم : أنه جمع نظراً إلى المعنى دون الصناعة، وفي مفرده احتمالان : أحدهما : أنَّه عماد مثل " إهَاب وأهُب ".
والثاني : أنه عمودٌ، كأدِيم وأدُم، وقَضِيتم وقُضُم، كذا قاله أبو حيَّان : وقال أبو البقاءِ :" جمع عماد، أو عمود مثل : إدِيم وأدُم، وأفِيق وأفُق، وإهَاب وأهُب، ولا خامس لها "، فجعلوا فعلاً كفعيل في ذلك.
وفيه نظر ؛ لأنَّ الأوزان لها خصوصية، فلا يلزمُ من جمع " فعيل " وعلى كذا أن يجمع عليه " فعول "، فكان ينبغي أن ينظروه بأن :" فَعُلاً " جمع على " فَعَل "، ثم قول أبي البقاءِ " ولا خامس لها " يعني أنه لم يجمع على :" فُعُل " إلاَّ هذه الخمسة " عِمادٌ وعَمُودٌ وأدِيمٌ وأفِيقٌ وإهَابٌ ".
وهذا الحصرُ ممنوعٌ لما تقدَّم من نحو : قَضِيمٌ وقُضُمٌ، ويجمعان في القلَّة على أعمدة.
وقرأ أبو حيوة، ويحيى بن وثاب :" عُمُد " بضمتين، ومفرده يحتمل أن يكون عِمَاداً، كشِهَاب، وشُهُب، وكِتَاب، وكُتُب، وأ، يكون عَمُوداً، كرسُولٍ، ورُسُل وقد قرىء في السبع :﴿فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ﴾ [الهمز : ٩] بالوجهين.
٢٣٧
وقال ابن عطية في " عَمَد : اسم جمع عمود، والباب في جمعه " عُمُد " بضم الحروف الثلاثة، كرسول ورُسُلٌ.
قال أبو حيان :" وهذا وهمٌ، وصوابه : بضمِّ الحرفين ؛ لأنَّ الثالث هو حرف الإعراب، فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمعِ ".
والعِمَادُ والعَمود : ما يعمدُ به، أي : يسند، ويقال : عمدت الحائطَ أعمدهُ عَمْداً، أي : أدْعمتهُ، فاعْتمدَ الحائطُ على العِمَادِ، والعَمَدُ : الأساطينُ قال النابغة :[البسيط] ٣١٦٣ـ وخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ
يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمدِ
والعَمْدُ : قصد الشيء، والاستناد إليهن فهو ضدُّ السَّهو، وعمودُ الصُّبْحِ : ابتداءُ ضوئهِ تشبيهاً بعمُودِ الحديدِ في الهَيئةِ، والعُمْدَة : ما يُعْتمدُ عليه من مالِ وغيرهِ والعَمِيدُ : السَّيِّد الذي يعمدهُ النَّاسُ، أي : يَقْصدُونَهُ.
قوله " تَرَوْنَها " في الضَّمير المنصُوب وجهان : أحدهما : أنَّهُ عائدٌ على :" عَمَدٍ "، وهو أقرب مذكورٍ، وحينئذ تكون الجملة في محل جر صفة لـ " عَمَدٍ "، ويجيء فيه الاحتمالانِ المتقدِّمانِ من كون العمد موجودة لكنَّها لا ترى، أو غير موجودة ألبتََّة.
والثاني : أنَّ الضَّمير عائد على " السَّمواتِ "، ثمَّ في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنَّها مستأنفة لا محلَّ لها، أي : استشهد برؤيتهم لها لذلك، ولم يذكر الزمخشري غيره.
والثاني : أنها في محل نصب على الحال من هاء :" تَرَوْنهَا " وتكون حالاً مقدرة ؛ لأنها حين رفعها لم نكن مخلوقين، والتقدير : رفعها مرئية لكم.
وقرأ أبي :" تَرَوْنهُ " بالتَّذكير مراعة للفظ " عَمَدٍ " إذ هو اسمُ جمع، وهذه القراءة رجح بها الزمخشري كون الجملة صفة لـ " عَمَدٍ "، وزعم بعضهم أن " تَرَوْنَهَا " خبر لفظاً، ومعناه الأمر، أي روها، وانظروا إليها لتعتبروا بها، وهو بعيد ؛ ويتعين على هذا أن يكون مستأنفاً، لأن الطَّلب لا يقع صفة، ولا حالاً.
و " ثُمَّ " في " ثُمَّ اسْتَوَى " لمجرَّدِ العطف لا للترتيبح لأنَّ الاستواء على العرشِ غير مرتب على رفع السموات.
٢٣٨