وقيل : المعنى أنهنم إذا جحدوا كون القرآن معجزة لا تضيق قلبك بسببه، و " إنَّما أنْتَ مُنذِرٌ "، أي ما عليك إلاَّ الإنذار، وأمَّا الهداية فليست عغليك، فإنَّ :﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ قادر على هدايتهم.
والمعنى : إنَّ الهداية من الله.
فصل قيل : المنذر، والهادي شيءٌ واحدٌ، والتقدير : إنَّما أنتَ مُنذِرٌ ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ منذر على حدةٍ، ومعجزة كل واحد غير معجزة الآخر.
وقيل : المنذر محمد ﷺ والهادي : هو الله ـ تعالى ـ قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
وقال عكرمة : الهادي محمد ﷺ يقول : أنت منذر، وأنت هاد لكل قوم، أي : داع.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٤٩
قوله تعالى :﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى ﴾ الآية في النَّظم وجوهٌ : أحدها : أنَّ الكفار لما طلبوا آيات أخر غير ما أتى به الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أنَّه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات، فلو علم من حالهم أنهم إنما طلبوا الآية الآخرى للاسترشاد، وطلب البيان أظهرها، وما منعها، لكنه ـ تعالى ـ عالم أنهم لم يقولوا ذلك إلا لمحض العناد ؛ فلذلك منعهم، ونظيره قوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للَّهِ﴾ [يونس : ٢٠]، وقوله :﴿إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ [العنكبوت : ٥٠].
وثانيها : أنه ـ تعالى لما قال :﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ [الرعد : ٥] في إنكار البعث بسبب أنَّ أجزاء أبدان الحيوانات تتفرَّق، وتختلط بعضها ببعض، ولا يتميَّز، فبين الله ـ تعالى ـ أنه
٢٥٨
إنما لم يتميز في حق من لا يكون عالماً بجميع المعلومات فأمّضا من :﴿يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ كيف لا يميزها ؟.
وثالثها : أنَّه متصلٌ بقوله :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [الرعد : ٦].
والمعنى : أنه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات، فهو إنَّما ينزل العذاب بحسب ما يعلم كونه مصلحة فيه.
قوله :﴿اللَّهُ يَعْلَمُ﴾ يجوز في الجلالة وجهان : أحدهما : أنَّها خبر مبتدأ مضمر، أي : هو الله، وهذا على قول من فسَّر " هادٍ " بأنه هو الله [تعالى، فكان هذه الجملة تفسير له، وهذا [ما] عنى الزمخشري بقوله : وأن يكون المعنى : هو الله] تفسيراً لـ " هادٍ " على الوجه الأخير، ثم ابتدأ فقال :" يَعْلمُ ".
والثاني : أنَّ الجلالة مبتدأ " ويَعْلمُ " خبرها، وهو كلامٌ مستأنفٌ مستقلٌّ.
قال أبو حيَّان، " و " يَعْلمُ " هاهنا متعدية إلى واحدٍ ؛ لأنَّه لا يراد هنا النسبة إنَّما المراد تعلق العلم بالمفردات ".
قال شهاب الدين ـ رحمه الله ـ :" وإذا كانت كذلك، كانت غير فائتة " وقد تقدَّم أنه لا ينبغي أنه يجوز نسبة هذا إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وتقدم تحقيقه في الأنفال فالتفت إليه.
قوله :" مَا تَحْمِلُ " " مَا " تحتمل ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن تكون موصولة أسمية، والعائد محذوف، أي : ما تحمله.
والثاني : أن تكون مصدرية، فلا عائد.
والثالث : أن تكون استفهامية، وفي محلها وجهان : أحدهما : أنها في محلِّ رفع بالابتداء، و " تَحْمِلُ " خبره، والجملة معلقة للعلم.
والثاني : أنها في محلِّ نصب بـ " تَحْمِلُ " قاله أبو البقاء.
وهو أولى ؛ لأنَّه لا يحتاج إلى حذف عائد لا سيَّما عند البصريين ؛ فإنهم لا يجيزون زيداً ضَرَبتُ.
ولم يذكر أبو حيان غير هذا، ولم يتعرض لهذا الاعتراض.
و " مَا " في قوله :﴿وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ محتملة للأوجه المتقدِّمة و " غاض، وزاد " سمع تعدِّيهما، ولزومهما، ولك أن تدَّعي حذف العائد على القول بتعديهما، وأن تجعلهما مصدريّة عل القول بمصدريتها.
فصل إذا كانت " مَا " موصولة فالمعنى : أنه تعالى ـ يعلم ما تحمل كل أنثى من الولد أهو
٢٥٩