في جواب قسم، نحو ﴿تَالله تَفْتَأُ﴾ [يوسف : ٨٥] وقد تقدَّم تحريره وإنّضما معنى الكلام كما قال المهدويُّ : يحفظونه من أمر الله في ظنه، وزعمه.
الثالث : أن الضمير في " لهُ " يعود على الله ـ تعالى ـ وفي " يَحْفظُونَهُ " للبعد أي : للهِ ملائكة يحفظون العبد من الآفات، ويحفظون عليه أعماله قاله الحسن ـ رضي الله عنه ـ.
الرابع : عود الضميرين على النبيِّ ﷺ وإن لم يجر له ذكر قريب، ولتقدُّم ما يشعر به في قوله :" لوْلاَ أنْزِلَ عليْهِ ".
و " مُعقِّباتٌ " جمع معقب بزنة مفعل، من عقب الرجل إذا جاء على عقب الآخر ؛ لأن بعضهم يعقبُ بعضاً، أو لأنَّهم يعقبون ما يتكلَّم به.
وقال الزمخشري :" والأصل : معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، كقوله :﴿وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ [التوبة : ٩٠] فلا يتعيَّن أن يكون أصله " المُتعذِّرُون " وقد تقدَّم توجيهه، وأنه لا يتعيَّن ذلك فيه.
وأما قوله : ويجوز " مُعِّبات " بكسر العين، فهذا لا يجوز ؛ لأنه بناه على أن أصله : معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، وقد بيَّنا أن ذلك وهم فاحشٌ وفي " مُعَقِّباتٌ " احتمالان : أحدهما : أن يكون معقبة بمعنى معقب، والتَّاء للمبالغة، كعلاَّمة، ونسَّابة.
أي : ملك معقب، ثم جمع هذا كعلامات، ونسَّابات.
والثاني : أن يكون معقبة صفة لجماعة، ثم جمع هذا الوصف، وذكر ابنُ جريرٍ : أن معقبة جمع معقب، وشبه ذلك بـ " رَجُلٍ، ورجالٍ، ورِجَالاتٍ ".
قال أبو حيَّان : وليس كما ذكر، إنما ذلك كـ " جَمَلٍ، وجِمَالٍ، وجمالاتٍ " ومعقب، ومعقبات إنَّما هو كضارب، وضاربات.
ويمكن أن يجاب عنه : بأنه يمكن أن يريد بذلك أنَّه أطلق من حيث الاستعمال على جمع معقب، وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث " معقب "، فصار مثل :" الواردة " للجماعة الذين يريدون، وإن كان أصله للمؤنثة من جهة أنَّ جموع التَّكسير في العقلاء تعامل معاملة المؤنثة في الإخبار، وعود الضَّمير، ومنه قولهم : الرِّجالُ وأعضادها،
٢٦٦
والعلماء ذاهبةٌ إلى كذا، وتشبيهنه ذلك برجل، ورجالات من حيث المعنى لا الصناعة ".
وقرأ أبي، وإبراهيم، وعبيد الله بن زيادٍ : له معاقيب.
قال الزمخشريُّ :" جمع معقب، أو معقبة، والياء عوضٌ من حذف إحدى القافين في التكسير ".
ويوضح هذا ما قاله ابنُ جنِّي ؛ فإنه قال :" مَعَاقِيب " تكسير مَعْقِب ـ بسكون العين، وكسر القاف، كـ " مُطْعِم، مطاعم " و " مَقْدِم، ومَقَادِيم "، فكأن " مُعْقباً " جمع على معاقبة، ثم جعلت الياء في " معاقيب " عوضاً من الهاء المحذوفة في " مُعَاقبةٍ ".
فصل قال : المعقب من كلِّ شيء ما خلف يعقب ما قبله، ويجوز أن يكون عقبه، إذا جاء على عقب، والمعنى في كلا الوجهين واحد.
والتَّعقيب : العود بعد البدءِ، وإنَّما ذكر بلفظ التَّأنيث ؛ لأن واحدها معقب وجمعه معقبة، ثم جمع المعقبة معقبات، كقولك : رجالات مكسر، وقد تقدَّم.
وفي المراد بـ " المعقبات " قولان : أشهرهما : أن المراد الحفظة، وإنَّمام وصفوا بالمعقبات، إما لأجل أن ملائكة اللَّيل تعقب ملائكة النَّهار، وبالعكس، وإما لأجل أنهم يعقبون أعمال العباد ويتبعونها بالحفظ، والكتابة، وكل من عمل عملاً ثم معاد إليه ؛ فقد عقَّبهُ.
فعلى هذا المراد من المعقبات : ملائكة الليل، والنَّهار، قال ـ تعالى جلًَّ ذكره ـ ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار : ١٠، ١١، ١٢، ١٣].
قوله :﴿مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه صفة لـ " مُعقِّباتٌ " ويجوز أن يتعلق بـ : مُعقِّباتٌ "، و " مِنْ " لابتداء الغاية، ويجوز أن تكون حالاً من الضمير الذي هو الظرف الواقع خبراً والكلامم على هذه الأوجه تام عند قوله :﴿وَمِنْ خَلْفِهِ﴾.
وقد عبَّر ِأبو البقاء، رحمه الله ـ عن هذه الأوجه بعبارة مشكلة، وهي قوله :﴿مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ يجحوز أن يكون صفة لـ " مُعقِّباتٌ "، وأن يكون ظرفاً، وأن يكون حالاً من الضمير الذي فيه، فعلى هذا يتمُّ الكلام عنده " انتهى ".
ويجوز أن يتعلق بـ " يَحْفَظُونَه " أي : يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه.
فإن قيل : كيف يتعلَّق حرفان متحدان لفظاً ومعنى بعاملٍ واحدٍ، وهما " مِنْ " الداخلة على " بَيْنِ " و " مِنْ " الداخلة على :" أمْرِ اللهِ " ؟.
٢٦٧


الصفحة التالية
Icon