وضَعْتْ أرَاهِطَ قاستراحُوا
ولذلك سقط التنوين من " بُؤسَ : كأنه قيل : يا طيبا، أي : ما أطيبهم وأحسن مآبهم.
قال الزمخشري :" ومعنى " طُوبَى لَكَ " : أصحبت خيراً، و " طيبا " ومحلها النصب أو الرفع، كقولك : طيبا لك وطيبٌ لك، وسلاماً لك وسلام لك والقراءة ف يقوله " وحُسن مَآبٍ " بالنصب والرفع يدل على محلها، واللام مفي " لَهُمْ " للبيان مثلها في " سقيا لك " فهذا يدل على أنها تتصربف، ولا يلزم الرمفع بالابتداء.
وقرأ مكوزوة الأعرابي :" طِيبَى " بكسر الطاء لتسليم الياء، نحو : بيض ومعيشة.
وقرىء :" وحُسْنَ مَآبٌ " بفتح النون ورفع " مآبٌ " على أنه فعل ماض، أصله حَسُنَ فنقلت ضمة العين إلى الفاء قصداً للمدح، كقوله : حسن ذا أدب، و " مَآبُ " فاعله.

فصل قال ابن عباس رضي الله عنهما : طوبى، فرح لهم وقرة عين.


وقال عكرمة : نعم ما لهم.
وقال قتادة : حسنى لهم.
٣٠٢
وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية، يقول الرجل : طوبى لك، أي : أصبت خيراً.
وقال إبراهيم ـ رحمه الله ـ : خير لهم وكرامة.
وقال الفراء : وفيه لغتان : تقول العرب : طوباك، وطوبى لك، أي لهم الطيب " وحُسْنَ مَآبٍ " أي : حسن المنقلب.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس :" طُوبَى : اسم الجنة بالحبشية.
وقال الربيع : البستان بلغة الهند.
وقال الزجاج : العيش الطيب لهم وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة وأبي الدرجاء قالوا : طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها وقيل فيها غير ذلك.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٨
قوله :﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ﴾ الكاف في محل نصب كانظائرها.
قال الزمخشري :" مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعن : إرسالا ً له شأن ".
وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي قبله في قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ [الرعد : ٢٧]، أي كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك.
وقال ابن عطية :" الذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي لا بالآيات المقترحة فكذلك فعلنا أيضاً في هذه الأمة أرسلناك إليها بوحي لا بأيآت مقترحة ".
وقال أبو البقاء : وكذلك :" الأمر كذلك " فجعلها في موضع رفع.
وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب، أي : كفعلنا الهداية والإضلال والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وتكون الكاف للتشبيه.
قال ابن عباس والحسن ـ رضي الله عنهم ـ أي : أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك.
٣٠٣
وقيل : كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم كذلك [أعطيناك] هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم.
قوله :" قَد خَلتْ " جملة في محل جر صفة لـ " أمَّة "، و " لِتَتْلُ " متعهلق بـ " أرْسلْنَاك " والمعنى : أنه فسر كيف أرسله فقال :﴿فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ﴾ أي : أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم وهم آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء " لتتلو " لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك وهو الكتاب العظيم.
قوله :﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافية، وأن تكون حالية والضمير في " وهم يكفُرون " عائد على " أمَّة " من حيث المعنى، ولو عاد على لفظها لكان التركيب : وهي تكفر.
وقيل : الضمير عائد على " أمَّة " وعلى " أممٍ ".
وقيل : عائد على الذين قالوا :" لوْلاَ أنْزِلَ ".
فصل قال قتادة ومقاتل وابن جريح : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهل بن عمرو لما جاءوا واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لعلي ـ كرم الله وجهه ـ : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
قالوا لا نعرف إلى الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون : مسليمة الكذاب، اكتب كما كممنت تكتب : باسمك اللهم فهذا معنى قوله :﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـانِ﴾ والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي سصلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو الله يا رحمن فرجع إلى المشركين، وقال : إن محمداً يدعو إلهين : يدعو الله ويدعو الرحمن إلهاً آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى :﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـانَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء : ١١٠] وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي ﷺ وشرف وكرم وبجل وعظم :" اسجدوا للرحمن "، قالوا : وما الرحمن ؟ قال الله تعالى :" قل لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت " اعتمدت " وإليه متاب " ـ أي : توبتي ومرجعي.
٣٠٤


الصفحة التالية
Icon