يريد : الطير العائذات، وبالعمر الطويل.
قال شهابُ الدِّين ـ رحمه الله ـ :" وهذا فيما لم يكن الموصوف نكرة، أمَّا إذا كان نكرة فتنصب تكل الصفة على الحال ".
قال ابن الخطيب :" اللهُ " اسم علم لذاته المخصوصة وإذا كان كذلك، فإذا أردنا أن نذكر الصفات ذكرنا أولاً قولنا :" اللهُ "، ثم وصفناه كقوله :﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـانُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر : ٢٢] الملكل القدُّوسُ، ولا يمكمننا أن نعكس الأمر فنقول : هو الرحمن الرحيم الله، فعلمنا أنَّ " اللهَ " اسم علم للذَّات المخصوصة، وسائر الألفاظ دالة على الصِّفات.
وإذا ظهرت هذه المقدمة فالترتيب الحسن : أن يذكر الاسم ثم يذكر عقيبه الصفات، كقوله :﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر : ٢٤] فأمَّا أن تعكس فتقول : هو الخالق المصور البارىء الله ؛ فذلك غير جائز، وإذا ثبت هذا فنقول : الذين قرؤوا برفع الجلالة على أنَّه مبتدأ، وما بعده خبر هو الصحيح، والذين قرءوا بالجرِّ إتباعاً لقوله :﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ مشكل لما بيِّنا من أنَّ الترتيب الحسن أن يقال : الله الخالق، وعند هذا اختلفوا في الجواب : فقال أبو عمرو بن العلاء : القراءةُ بالخفض على التَّقديم، والتَّأخير، والتقدير : صراط الله العزيز الحميدِ الذي له ما في السموات [والأرض].
وقيل : لا يبعد أن تذكر الصفة أولاً ثمَّ يذكر الاسم، ثم تذكر الصِّفة مرة أخرى كما يقال : الإمام الأجلّ محمد الفقيه، وهنو بعينه نظير قوله :﴿صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾.
وتحقيق القول فيه : أنَّا بيَّنا أن الصِّراط إنَّما يكون ممدوحاً محموداً إذا كانا صراطاً للعالم القادر الغنيّ، والله تعالى عبَّر عن هذه الأمور الثلاثة بقوله :﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ فوقعت الشبهة في أن ذلك :﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ من هو ؟ فعطف عليها قوله ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ إزالة لتلك الشُّبهة.
قوله :" وَويْلٌ " مبتدأ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء كـ " سَلامٌ عَليكُمْ "، و " لِلْكافِرينَ " خبره، و " مِنْ عذَابٍ " متعلِّق بالويلِ.
ومنعه أبو حيَّان ؛ لأنَّه يلزمُ منه الفصل بين المصدر ومعموله، وهو ممنوعٌ حيث
٣٣٢
يتقدَّم المصدر بحرف مصدري وفعل، وقد تقدم.
ولذلك جوزوا تعلق " بِمَا صَبرْتُمْ " بـ ﴿سَلاَمٌ﴾ [الرعد : ٢٤]، ولم يعترضوا عليه بشيءٍ، ولا فرق بين الموضعين.
وقال الزمخشريُّ :" فإن قلت : ما وجه اتِّصالِ قوله :﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ بالويل ؟ قلت : لأنَّ المعنى يولولون من عذاب شديد ".
قال أبو حيان : فظاهر يدلُّ على تقدير عامل يتعلق به ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.
ويجوز أن يتعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه صفة للمبتدأ، وفيه سلامة من الاعتراض المتقدم ولا يضر الفصل بالخبر.
فصل والمعنى : أنَّهم لما تركوا عبادة الله المالك للسموات، والأرض، وكل ما فيها وعبدوا ما لا يملك نفعاً، ولا ضرَّا، ويُخلَقُ، ولا يَخْلِقُ، ولا إدراك له، فالويل كل الويل لمن هو كذلك، وإنما خصه بالويل، لأنهم يولولون من عذابٍ شديدٍ، ويقولون : يا ويلاه نظيره قوله تعالى :﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾ [الفرقان : ١٣] ثم وصفهم الله تعالى بثلاثة أنواع : الأول : قوله :﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ، خبره :" أوْلئِكَ " وما بعده.
وأن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي هم الَّذينَ.
وأن يكون منصوباً بإضمار فعل على [المدح] فيهما.
وأن يكون مجروراً على البدل، أو البيان، أو النعت، قاله الزمخشريُّ، وأبو البقاء والحوفي وغيرهم.
ورده أبو حيان : بأن فيه الفصل بأجنبيّ، وهو قوله ـ جل ذكره ـ ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قال :" ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدَّارُ لِزيدِ الحَسنةُ القُرشِي وهذا لا يجوز، لأنك فصلت بين " زَيْدٍ " وصفته بأجنبي منهما، وهو صفة الدَّار وهو لا يجوز، والتركيب الصحيح أن تقول : الدَّارُ الحسنةُ لزيدٍ القُرشيِّ، أو الدَّارُ لزَيدٍ القُرشي الحَسنَةُ ".
و " يَسْتحِبُّونَ " استفعل فيه بمعنى أفْعَلَ، كاسْتَجابَ بمعنى أجَابَ، أو يكون علتى بابه، وضمن معنى الإيثار، ولذلك تعدّى بـ " عَلَى ".
وقرأ الحسن :" يُصدُّونَ " بضم الياء من " أصَدَّ "، و " أصَدَّ " منقولٌ من " صَدَّ "
٣٣٣
اللازم، والمفعول محذوف، أي : غيرهم أو أنفسهم، ومنه قوله :[الطويل] ٣١٩١ـ أنَاسٌ أصَدُّوا النَّاسَ بالسَّيْفِ عَنهُمْ
.........................
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢٨